أكد الرشيد أن لتراجع أسعار النفط تأثيراً على «المصافي» بشكل عام، باعتبار أن المنتجات النفطية تتبع أسعار النفط، ويؤدي تراجعها إلى انخفاض تلك المنتجات، لكن مشكلة المصافي تكمن في المخزون، لافتاً إلى أن تقييمه يكون على أسعار مرتفعة، ويؤثر سلباً في أرباح المصافي.

Ad

قال رئيس مجلس الإدارة العضو المنتدب في شركة نفط الكويت سابقا، المؤسس والشريك في شركة جيمز للاستشارات، سامي الرشيد، إن أسعار النفط شهدت تراجعا خلال الثلاثين عاما الماضية، وإن الفترة بين 2010 و2014 كانت شبة مستقرة، وشهدت مشكلة، لأن الجميع تعود على أن يكون سعر برميل النفط فوق مستوى الـ 100 دولار، وهذا انطباع سائد في المجتمع الكويتي، وبناء عليه تمت أمور عديدة، موضحا أنه لو تم الرجوع إلى التاريخ فستتضح تراجعات كثيرة وسابقة، فهل استفدنا منها؟

وأشار خلال الندوة التي نظمتها الجمعية الاقتصادية مساء أمس الأول تحت عنوان «انخفاض أسعار النفط وانعكاساته على الوضع المالي للدولة» إلى أن استيراد الولايات المتحدة من النفط الخام في انحدار شديد، حيث تراجع من 10 إلى 4 ملايين برميل، كما أنه من الملاحظ أن النمو على الطلب في الصين شهد نموا، إلا أنه يختلف حاليا، الأمر الذي يعطي مؤشرا واضحا على العرض والطلب بشكل عام.

 ولفت إلى أن الولايات المتحدة تنتج 9.3 ملايين برميل نفط خام، إضافة إلى تصل إلى 12.3 مليون، وهذه الزيادة جاءت خلال السنوات الأربع الماضية، بمعدل زيادة مليون برميل سنويا، وهذه زيادة ضخمة.

وأضاف أن السبب الرئيس في الزيادة يكمن في أنها فاقت النمو في الطلب، الأمر الذي أحدث فائضا، موضحاً أن الفائض يقدر بنحو مليون ونصف المليون برميل بالنفط الخام مقارنة بالطلب، إضافة إلى ذلك تباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا واليابان، وتركز النمو في الصين والهند، والسبب الآخر ارتفاع المخزون النفطي العالمي، فضلا عن الأسباب السياسية.

وسلط الرشيد الضوء على النفط الصخري قائلا «إن النفط الصخري معروف وموجود منذ فترة في أميركا والصين والكويت، وهو موجود في صخور شبه صماء، ويتم إنتاجه بواسطة الحفر الأفقي وبخلق فجوات تمكن من استخلاصه».

مشكلة المصافي

وأفاد بأن لتراجع أسعار النفط تأثيرا على «المصافي» بشكل عام، باعتبار أن المنتجات النفطية تتبع أسعار النفط، فتراجع أسعار النفط يؤدي إلى تراجع المنتجات النفطية، لكن مشكلة المصافي تكمن في المخزون داخل الخزانات، لافتاً إلى أن تقييم المخزون يكون على أسعار مرتفعة، ويؤثر سلبا في أرباح المصافي لكن بشكل عام، فمن المفترض أن تحقق المصافي التحويلية أرباحا في هذه الفترة، وعادة ما يزيد معدل التكرير في هذه الفترة، لأن المواد الخام تكون أرخص بالنسبة لهم للاستغلال.

وأشار إلى أن التعامل مع انخفاض أسعار النفط يكون من خلال الاستعداد الجيد لانخفاض الأسعار، مؤكدا أن «أوبك» لو خفضت إنتاجها فستتآكل حصتها بالسوق، واسترجاعها ليس بالسهولة، لافتا إلى أن هناك صعوبة في تطبيق تخفيض الإنتاج، لذلك فإن القرار الذي اتخذته «أوبك» في محله.

 أما النقطة الثالثة فهي ترشيد الإنفاق، فخلال السنوات الأخيرة لاحظنا أن الكوادر والرواتب زادت بشكل غير عادي، ولاسيما القطاع النفطي، لكن هذا الوضع يجب التعامل معه ووضع الحلول المناسبة له.

وذكر أن هناك عاملا آخر للتعامل مع انخفاض الأسعار، وهو ترشيد استهلاك الطاقة، سواء الكهرباء أو البنزين، فالكويت من أكثر الدول هدرا للطاقة، وهذه أيضا بحاجة إلى توعية وبرامج وتشريعات، لأن أي توفير في الطاقة سيحرر براميل نفط ويحقق عوائد جيدة، مشيرا إلى أن الطلب على النفط مرتبط بالتنمية الاقتصادية، والنفط أحد مصادر الطاقة، والطاقة هي المحرك الرئيس للتنمية.

وأوصى الرشيد بعمل إصلاحات هيكلية في الاقتصاد الكويتي، وترشيد الإنفاق الذي يجب أن يكون من خلال التصدي لتنامي المصروفات، وخصوصا الرواتب التي لم تواكبها زيادة إنتاجية، والضرائب، ورفع الكفاءة وزيادة الإنتاج للموظفين، وخصخصة بعض الأنشطة، وتنفيذ استراتيجية متوازنة للنفط، والاستمرار في المشاريع مثل مصفاة الزور ومصفاة الصين وخلافه.

اختلال هيكلي مالي

بدوره، قال نائب رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي في شركة الشال للاستثمار، جاسم السعدون، إن الموازنة العامة في تمويلها تعتمد بنسبة 92 في المئة على إيرادات النفط، لافتا إلى أن هذا الوضع شبه ثابت منذ ستينيات القرن الفائت، لافتا إلى أن جميع خطط التنمية عمدت منذ الستينيات على استهداف علاج الاختلال الهيكلي المالي بكلمات أخرى خفض الاعتماد على النفط في تمويل المالية العامة لخطورته والشك في استدامته.

وأضاف السعدون أن ذلك الاستهداف يعني ضمنا تنويع مصادر الدخل، ويعني بالضرورة استهداف الاختلالات الثلاثة المتداخلة الأخرى، موضحاً أن أي اختلال نحو 67 في المئة قطاع عام، واختلال هيكل العمالة المواطنة 75 في المئة قطاع عام ودعم ما عداها، واختلال هيكل السكان أي وقف الهبوط المستمر في مساهمة المواطنين في جملة السكان حاليا 31.1 في المئة، ولا بأس لو لم تكن زيادة السكان في معظمها عمالة ضعيفة التعليم والانتاجية.

وأوضح أنه بعد ثلثي قرن، ومنذ بدء تصدير النفط لم تنجح الإدارة العامة سوى في تعميق الاعتماد عليه، وبينما تعاملت مع المالية العامة كما لو أن فترات رواج سوق النفط دائمة، لم تحقق ضغوط ركود سوق النفط ارتقاء بالوعي للإفادة من تلك الضغوط في تغيير جوهري في مسار السياسة المالية.

وذكر السعدون أنه في ديسمبر عام 1985 انفرطت «أوبك» نتيجة صراعها على حصص الإنتاج، بعد أن هبط انتاجها من نحو 30 مليون برميل يوميا إلى 16 مليونا، ولامست أسعار البرميل 10 دولارات، بعد أن بلغت 40 دولارا في عام 1980، وزار نائب الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، وقتها، دول المنظمة، وأقنع «أوبك» بضرورة الالتئام حتى لا تنفجر دول النفط الحيوية من الداخل.

نكسة كبرى

وتابع السعدون أن سوق النفط ظل ضعيفا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الفائت، ولكن مع تماسك أسعاره وارتفاع إنتاجه بسبب رواج اقتصادات آسيا، ثم أصيب بنكسة كبرى في أكتوبر عام 1997، بعد أزمة اقتصادات نمور آسيا، ولامس سعر البرميل الـ 10 دولارات مرة أخرى في عام 1998، واستعادت آسيا نموها بدعم من رواج الاقتصادات الغربية وأكثر أهمية نتيجة رواج اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية، واستمرت الصين في النمو برقمين، أي 10 في المئة وأكثر، وتبعتها الهند وبقية نمور آسيا.

 ومع بدايات الألفية الثالثة أعطت آسيا زخما كبيرا لغلبة تأثير الطلب الإيجابي على أسعار النفط، بما غير من آليات تسعير النفط في السوق الكويتي.

وأفاد بأنه عندما حدثت أزمة العالم المالية هبط معدل سعر برميل النفط من 127.4 دولارا في يوليو 2008 إلى 36.7 دولارا في ديسمبر 2008 وفي عام واحد فقط، وهو عام 2009، استعادت أسعار النفط عافيتها بسرعة، ليستقر معدل سعر برميل النفط الكويتي عند مستوى 60.1 دولارا للبرميل في عام 2009، ويرتفع إلى 76.5 دولارا في عام 2010، لذلك يمكن الجزم بأنه تأثير مؤقت وليس حقبة ركود، مشيرا إلى أنه في عام 2011 بدأت الأحداث الجيوسياسية بتقديم دعم إضافي لأسعار النفط، فإيران أصبحت تحت طائلة عقوبات برنامجها النووي، وانفجرت أوضاع سورية وليبيا واليمن والسودان، إضافة إلى مصر وتونس وبعض دول الخليج، وبلغ معدل سعر برميل النفط الكويتي نحو 105.7 دولارات في عام 2011، ونحو 108.6 دولارات في عام 2012، ونحو 104.8 دولارات في عام 2013، ونحو 95 دولارا في عام 2014، بعد أن كان معدله 66.3 دولارا في عام 2007، و90.6 دولارا في عام 2008، أي إنه عوض وزاد على معدلات ما قبل الأزمة، لافتا إلى أنه لم يكن مستوى 90 دولارا وما فوق بدءا من عام 2011 مستوى قابلا للاستدامة، فالأحداث الجيوسياسية لا تدوم، والأسعار فوق الحد الاقتصادي الذي تحدده تكلفة انتاج النفط البديل لا تدوم أيضا، لأن ذلك يعني حتما ولوج بدائل للسوق من الحقول التقليدية الصعبة، أو نفوط غير تقليدية أو أي بدائل للنفط.

 إدارة حصيفة

ونوه إلى أن الإدارة العامة الحصيفة هي تلك التي لا تحتاج إلى من يذكرها بضرورة الاحتفاظ بأكبر قدر من العناصر المؤثرة على استقلالية سياساتها واستقرارها، أي ضبط الإنفاق العام، ولكن العكس تماما ما حدث في الكويت في حقبة رواج سوق النفط الأخيرة، رغم تحذيرات محلية وأجنبية من حتمية دورة ركود قادمة لسوق النفط.

وأكد السعدون في ختام حديثه أن زمن الفوائض المالية قد لا يتكرر، وأن العجز المالي قائم عند مستوى منخفض لأسعار وإنتاج النفط وقادم حتى لو تحقق السيناريو الواقعي وارتفعت أسعار النفط بمعدل سنوي 3.6 في المئة، وهو افتراض لا علاقة له بالواقع، ولكن درءا للحجج الساذجة التي تردد

«الخير وايد»، مشيرا إلى أن الكويت سيظل فيها ما يكفي من موارد، سواء قيست بحجم الاحتياطي النفطي أو مدخرات عامة بنحو 500 مليار دولار أميركي للقطاع العام، ونحو نصفها للقطاع الخاص والبلد الصغير وعدد السكان محدود، لافتاً إلى أنه في حال تم توكيل العقل والإدارة التي أشعلت تلك الحرائق بوظيفة إطفائها وتولي عملية البناء في المستقبل، فالمخاطرة ستبلغ مستوى القلق على البقاء وليس النماء، لأن خلطة التفجير هي البطالة والتضخم والفساد، وهو ما برعت في ازدهاره الإدارة الحالية.