لم تكن الحكومة مضطرة إلى قبول الأحكام الصادرة من دائرة طلبات رجال القضاء التابعة لمحكمة التمييز عبر وزيرها في أحد الاجتماعات الذي حضره في المجلس الأعلى للقضاء بصفته وزيراً للعدل بالإنابة في شهر يوليو الماضي، لأن مثل هذا الموقف سيكلفها الكثير والكثير على الأقل من مصداقيتها، طالما أنها قد اتخذت قراراً بالذهاب إلى ذات المحكمة للطعن على الأحكام الصادرة منها بتاريخ 19 يونيو الماضي!

Ad

إن كانت الحكومة مقتنعة بسلامة الأحكام القضائية التي أصدرتها دائرة رجال القضاء في محكمة التمييز فكان يجب عليها القبول بها والقبول بنتائجها وتحمُّل التكلفة المالية الواردة بالأحكام والعمل على تنفيذها، فيومياً تصدر المحاكم أحكاماً تلزم وزارات الدولة بملايين الدنانير، ولم تقل الحكومة إنها غير قادرة عن الوفاء بها إلا مع الأحكام الصادرة من القضاء، ولكن من غير المقبول وغير المبرر أن توافق الحكومة بمحضر اجتماع رسمي، وهو اجتماع للمجلس الأعلى للقضاء حضره 7 مستشارين من رجال القضاء يتولون إدارة السلطة القضائية، وتعلن قبولها تنفيذ الأحكام القضائية وبعد مضي شهر ونصف من تلك الوعود تقوم بالطعن على الأحكام لتطلب بطلانها وتقرر إعلانك بالدخول في معركة قضائية مع رجال القضاء ومستشاريه وتعبر فيها بكل صراحة عن عدم مصداقيتك وعدم رغبتك في تنفيذها، وهو برأيي عمل يسيء للحكومة وينهي مصداقيتها أمام القضاء!

كان بالإمكان ألا تعبر الحكومة عن أي موقف رسمي تجاه القضاء، وتتخذ خطواتها بالطعن على الأحكام القضائية سواء بالالتماس أو بدعوى البطلان التي أقامتها بغض النظر عن النتائج التي ستنتهي إليها تلك الدعوى، لأن التعبير عن القبول وبذات الوقت اتخاذ إجراءات من شأنها الرفض في التنفيذ لا يعني إلا أن الحكومة بهذا الإجراء تمارس المواراة السياسية حتى مع القضاء ومطالبهم وهو تصرف يعد سابقة، ومن غير المقبول القيام به!

كيف للحكومة أن تتخيل شكل المحاكمة التي عقدت في جلسة الـ11 من الشهر الجاري وتستكمل هذا الأسبوع بحضور نحو 100 قاض يحضرون على المنصة ليردوا على طلباتها وطلبات محاميها ويطلبوا رفض الدعوى المقامة، لأنها فاقدة للأساس القانوني؟ كيف للحكومة أن تقبل أن يقف أمامها 100 قاض ومستشار وعضو نيابة ويقدموا محضر اجتماع مجلس القضاء أمام المحكمة ليعلنوا عدم مصداقية الدعوى المقامة من الحكومة، لأنه سبق لوزيرها أن وافق أمام مجلس القضاء على قبول الحكومة لتنفيذ الأحكام القضائية المطلوب بطلانها اليوم؟!

أخيراً فإن الحالة التي أوصلت العلاقة بين الحكومة والقضاء إلى ما هي عليه الآن مردها، برأيي، هو عدم إقرار الحكومة والمجلس لأكثر من 40 عاماً لقانون يضمن للقضاء الاستقلال المالي والإداري بشكل يليق به، وتم التعامل معه، للأسف، على أنه مرفق تابع لوزارة العدل!