ويل للعرب
جمعت فوق مكتبي معظم ما لدي من مأثورات وكتب عن اليمن، لأكتب هذا المقال، فأذهلني تاريخ هذا البلد العجيب!... ودعوني أنتقل بكم قليلاً إلى لمحات من تاريخه لتكتشفوا كيف بُني أول سد في منطقتنا العربية وكيف حدث ذلك؟!... يقول التاريخ:نظر الملك "أمربين" ملك سبأ إلى مضيق جبل "بلق"، ثم قال: ما أجدر بهذا المضيق أن يكون حاجزاً بين السيول وبين مزارعنا في مأرب حتى صنعاء... فإذا بنينا هنا سداً حجز المياه خلفه، لنستعملها بقدر، ونأمن أن تجرف في غليانها ما وراءها من مزارع ومساكن كما كان يحدث أيام أجدادي.
وقام الملك ببناء السد، الذي يعتبر أول عمل هندسي عرفته الجزيرة العربية في تاريخها القديم، 45 ذراعاً طولاً، و35 ارتفاعاً، و14 سمكاً، فأمنت مأرب شر السيول الجارفة.ولكن الثراء الذي أخذ يزداد يوماً بعد يوم جعل قلوب الناس قاسية، وتفشى الفساد في المنطقة كلها: وهنا يصور لنا القرآن الكريم ما حدث لهم: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: «لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ».• وإذا بهذا السيل العرم - الذي ذكره القرآن - قد جعل المياه تتدفق، لترغي وتزبد وتجرف كل شيء في طريقها حتى إذا بلغت قرية العرم، قرب مضيق "بلق" غمرتها ودفنت كل حي فيها، ثم أقبل السيل العرم نحو جدران السد يلطمه لطماً شديداً، فوهنت الجدران وعجزت عن المقاومة ولم تلبث أن انهارت... وهلكت بعدها مأرب، فقال شاعرها:وفي ذاك للمؤتسي أُسوةومأرب عفّى عليها العرم رخام بنته لهم حميرإذا جاء مواره لم يرمفصاروا أيادي ما يقدرونمنه على شرب طفل فطم* * *أقف عند هذا الحد من التاريخ القديم المليء بأحداث يجهلها الكثيرون من العرب عن المنطقة التي ينتمون إليها في الأصول، ليشهدوا في هذه الأيام ما يُنبئ بكوارث أكثر من الماضي تدميراً إذا لم يتداركوها... فويل لهم وويل لنا كعرب!