ليلة الجنون

نشر في 08-12-2014
آخر تحديث 08-12-2014 | 00:01
 فوزية شويش السالم رواية "ليلة الجنون"، هي العمل الروائي الأول للكاتبة منى الشافعي التي صدر لها 7 مجموعات قصصية سبقت روايتها هذه، وكعمل روائي أول يأتي بعد تمارين متعددة في كتابة القصص القصيرة لابد أن يستفيد من هذا المران والتجربة الطويلة في الكتابة، وهو بالفعل ما مكن الكاتبة من الإمساك بتلابيب السرد والتحكم بآليات سيره وربط تسلسله الحكائي بقوة ودون الوقوع في أخطاء العمل الروائي الأول.

الرواية تحكي عن حياة بطلتها سارة المتفوقة في كل شيء، ولها نصيب كبير من ترف الحياة التي أغدقت عليها وافر كرمها وخصتها بنعمة الجمال والذكاء والثراء والدلال والتفوق العلمي، لكنها حرمتها من أن تعيش الحب مع أي رجل مر في حياتها سواء أحبته أم لم تحبه، فهي ترفض الاقتران بأي رجل من الرجال الذين يتقدمون لها، بالرغم من تفوقهم العلمي والاجتماعي، فكل منهم يعمل في الجامعة التي تدرس فيها كدكتورة لمادة التمويل، ومن هنا تنبع عقدة الرواية وهو خوفها من الارتباط بأي رجل كان بمن فيهم من أحبته، هذا الخوف المتمثل في قرينة تصاحب البطلة في حياتها وتملي عليها قراراتها المصيرية، ولعل هذه القرينة هي نقطة القوة في هذه الرواية حيث اتخذتها منى كتقنية ركبت عليها الحكاية كلها.

الرواية تعكس الحياة الاجتماعية في الكويت خاصة في المستوى الجامعي وحياة الأساتذة والطلاب والنشاطات الطلابية، وكل ما يدور في الأروقة الجامعية في الكويت، وهو حياة منى الشافعي بالفعل، فأنا تعرفت عليها في أروقة الجامعة حيث كانت تشتغل في احدى الإدارات، ومنذ ذاك الوقت وإلى يومنا هذا مازالت منى كما عهدتها، وكما هي بطلتها في الرواية سارة التي هي "فوتو كوبي" عنها، منى الرومانسية التي تنثر الود والمحبة بشفافية صادقة لا تعرف الخبث أو اللؤم الموجود في البشر، سارة أو منى كلاهما لا يعرف إلا الجمال في كل ما يراه في الدنيا، وكأنهما خارج كل ما هو قبح فيها.

هذا التشابه ما بينهما انعكس على اللغة والتفكير والإحساس وردود الأفعال بشكل يكاد يتطابق حتى بالمفردة، مما دفعني للتساؤل إن كان الكاتب بالفعل يعكس نفسه بدون أن يشعر بذلك؟

وهل أنا مثلا كتابتي بعنفها وشرها وساديتها تعكسني بشخصيتي ولغتي وأحاسيسي وتعبيراتي وتكون هي صورتي الحقيقية التي أجهلها عني؟

"ليلة الجنون" تنتهي بنهاية مفتوحة غامضة، الأمر الذي يضيف للرواية ويحرك في عقل القارئ الأسئلة، هل وجود القرينة دليل على حالة انفصام لدى بطلة الرواية، لكن الانفصام يكون بالتضاد مع الشخصية الأخرى وليس بالاتفاق معها إن لم أكن على خطأ، وربما يكون مرض وسواس قهري يمنعها من الارتباط والهروب الدائم خوفا من فقدها للحرية المطلقة التي تنشدها روحها التي تخاف القيود؟

وربما يكون المعنى الذي يكمن وراء ليلة الجنون هو معنى واقعي وحقيقي حيث ان بطلتها تقودها قرينتها التي هي ذاتها إلى الجنون بالفعل أو الانتحار؟

الغموض الذي تنتهي به الرواية يطرح العديد من الأسئلة خاصة أنها لم توضح واقع سارة النفسي، فهي لم تراجع أي طبيب ولم تشعر بحاجة لمعرفة ما يحدث لها من تغيرات جسدية حسية في أوقات مداهمة القرينة لها، كما أن كل ما يحيطها لا يمثل أي ضغوط حياتية عليها، ولا يشعر بحالتها وبوجود القرينة المصاحبة لها كل من حولها ولا أدري إن كان هذا النقص متعمدا من منى وجزءا مركبا من التقنية الروائية عندها، لكنه يبقى غموضا محببا، وتبقى منى كاتبة للرواية الرومانسية التي تحتاج إلى شخصية مثلها لتكتبها في زمن فقد رومانسيته.

وهذا جزء من ختامها الغامض" أشعر أنني مختلفة عن الآخرين، جزء مني كان مجنونا يعذبني، يصرخ في داخلي، ولكنني تجاهلته طويلا، وواصلت العيش بصعوبة، في عالم مزدوج، عالمي الخاص، والعالم الآخر الذي يحيطني، أحلامي مختلفة عنهم غير مألوفة، أليس هذا كافيا لهدم كل رغبة لي في الحياة في هذه الدنيا؟

تشعرني هذه الليلة المخضبة بالجنون بالاختناق، فهل سأتشجع وأذهب مع تلك الفتاة الجميلة التي تناديني بقوة، وكلما اقتربت ازدادت ابتسامتها رقة وحلاوة، أم أجرؤ لأجيب على طلب فيصل... لا أدري!!!".

back to top