حلف شمال الأطلسي يحتاج إلى تحديث استراتيجيته النووية
أشارت موسكو إلى استعدادها للجوء إلى الأسلحة النووية في محاولة لإرغام حلف شمال الأطلسي على التراجع في حالة الحرب، وكي تمنح روسيا تهديداتها المخيفة هذه المصداقية، أجرت تدريبات، مختبرة قدرتها على استخدام أسلحة نووية ضد الناتو.
خلال اجتماع وزراء حلف شمال الأطلسي (ناتو) في أنطاليا بتركيا الشهر الماضي، أعلن القائد العسكري الأعلى لهذا التحالف أن روسيا تستخدم خطاب تهديد عن الأسلحة النووية لتخيف الغرب، وأضاف الجنرال فيليب بريدلوف أن هذا الخطاب مصمم لعرقلة عملية اتخاذ القرارات في الناتو، ولم يشمل هذا الخطاب إشارات عامة إلى ترسانة روسيا النووية فحسب، حسبما أوضح هذا الجنرال، بل أشارت موسكو بالتحديد أيضاً إلى "احتمال نقل الأسلحة النووية إلى مناطق معينة أو استعمال الأسلحة النووية إن لم تسر الأمور على ما يُرام في القرم".يشكل هذا جزءاً من نمط زادت من خلاله موسكو في السنوات الأخيرة نشر منصاتها النووية وعززتها بقوة، محددة دولاً مثل الدنمارك لتهددها نووياً، كذلك أشارت إلى استعدادها للجوء إلى الأسلحة النووية في محاولة لإرغام حلف شمال الأطلسي على التراجع في حالة الحرب، وكي تمنح روسيا تهديداتها المخيفة هذه المصداقية، أجرت تدريبات، مختبرة بالتحديد قدرتها على استخدام أسلحة نووية ضد الناتو (تمارين شملت، مثلاً، اعتداءات نووية محفزة ضد بولندا).
في الوقت عينه، أمضى التحالف السنوات العشرين الماضية في تحويل الجزء الأكبر من خططه النووية إلى المخازن، فقد ركز العدد الأكبر من مناقشات الناتو عن الأسلحة النووية في السنوات الأخيرة على ما إذا كان على التحالف التخلص منها، ولكن تتوافر اليوم إشارات إلى أن الناتو يعيد النظر في عقيدة الردع النووي التي يتبعها.يُعتبر هذا جيداً لأن التهديد النووي الروسي يتطلب رداً يقوم على استراتيجية جدية، فلا ينبع تحدي موسكو النووي من خوفنا من اعتداء كارثي قد يؤدي إلى دمار شامل، أي نوع السيناريوهات الذي يربطه الناس بالحرب الباردة. إذ يأتي بدلاً من ذلك، الخطر الحقيقي من استخدام روسيا أسلحة استراتيجية يكون لها التأثير الحاسم في صراع محدود مع الناتو، فقد تستعمل موسكو قدراتها الهائلة على استخدام الأسلحة النووية بشكل محدود لإرغام حلف شمال الأطلسي على التراجع في حال اندلعت الحرب، وخصوصاً في أوضاع تؤثر في مصالح الحلف الأساسية كحماية وحدة أراضي دوله الأعضاء.في الصراع على منطقة البلطيق، مثلاً، قد تسعى موسكو إلى استخدام "رجالها الخضر الصغار" وأفضليتها في الأسلحة التقليدية في منطقة الحرب المباشرة لتفرض أمراً واقعاً في مناطق مثل إستونيا، وبعد أن تقتطع موسكو جزءاً من أراضي الناتو، قد تصرح أن أي اعتداءات للحلف على المناطق الروسية ذات السيادة ستشكل تصعيداً غير مبرر، مما يهدد برد نووي في حال رد الناتو بدوره.في سيناريو مماثل، من الممكن بسهولة تشغيل أجهزة روسيا الجوية وغيرها من الأنظمة العسكرية، التي يحتاج الناتو إلى مهاجمتها بغية إخراج القوات الروسية من إستونيا، من داخل الأراضي الروسية، وإن لم يكن هذا الحلف مستعداً، فقد يجد نفسه غير جاهز لتحمل التصعيد الذي عليه القيام به بغية طرد القوات الروسية من منطقة هذه الدولة العضو، ولا شك أن الإخفاق في خطة طوارئ مماثلة قد يؤدي إلى انهيار الحلف، مما يكون له تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي والنظام العالمي. صحيح أن هذ السيناريو قد يبدو مستبعداً، إلا أنه ليس مستحيلاً، إذ يريد الكرملين إعادة بسط دائرة نفوذه في الجوار الروسي، بما في ذلك دول البلطيق على الأرجح، كذلك يود أن يصد الناتو ويسبب انقسامه، فنحن ندرك أن روسيا تتمتع بالقدرات التقليدية على غزو دول ذات سيادة وتبديل حدودها، تماماً كما رأينا في أوكرانيا، حيث يتخيل غربيون كثر اليوم الجيش الروسي كعملاق متأرجح ثمل مثلما كان في تسعينيات القرن الماضي، لكن الوقائع تُظهر أن جزءاً كبيراً من الجيش الروس على الأقل بات اليوم حسن التدريب والتجهيز، فضلاً عن أنه يتمتع بمهارات عالية.علاوة على ذلك، حظيت روسيا باهتمام كبير بسبب قواها النووية، وخصوصاً قدرتها على استعمال هذه القوى لتحقيق أهداف استراتيجية وسياسية عملية، ويُعرب الكرملين عن اهتمام خاص بمفهوم "التصعيد للحد من التصعيد"، فكرة تقوم على تنفيذ اعتداء نووي بارز أو غير نووي إنما قوي لإخافة الطرف الآخر وحمله على التراجع.في المقابل، أهمل الناتو والقوى الغربية إلى حد كبير سيناريوهات مماثلة منذ نهاية الحرب الباردة، فلم يولِ التحالف الغربي اهتماماً كبيراً بالدفاع عن دول البلطيق حتى وقت ليس ببعيد، كذلك همّش وقلل من أهمية إعادة النظر في سياسة الأسلحة النووية للحد من انتشار الأسلحة وتدابير نزع السلاح.كان من الممكن تبرير خطوات مماثلة خلال حقبة التسعينيات الهادئة، إلا أنها أصبحت متهورة على نحو خطير اليوم، ولإظهار مدة حكمة وصحة نقطة مماثلة، يجب أولاً الإقرار بوجود مشكلة، ولا شك أن تعليقات الجنرال بريدلوف تمثل خطوة مهمة في هذا الاتجاه، ولكن ما زال هذا الدرب في أوله، فعلى الحكومات الحليفة، وخصوصاً القوى النووية الغربية، أن تفكر بجدية في كيفية التفاعل مع أي محاولة تقدم عليها روسيا لتعزز قواها التقليدية والنووية لتقتطع أجزاء من الحلف، فمن الضروري ألا تقتصر خيارات الناتو على الانتحار أو الاستسلام.لا شك أن هدف خطوة مماثلة ليس خوض حرب نووية أو أي نوع من الحروب بل العكس على الأرجح، فيقوم الناتو على مبدأ أن الأمن ينبع من القوة، لكن هذا التحالف يُعرب اليوم عن هشاشة خطيرة أمام دولة أظهرت بكل وضوح أنها ستستغل أي ثغرة؛ لذلك تبقى الطريقة الفضلى لإقناع قوى مماثلة قد تقدم على أمر مماثل التأكيد بأنها ستخرج خاسرة من أي اعتداء.* البريدج كولبي