في عهد بوتين... القوة هي صاحبة الحق في روسيا!
بعد خسارة المباراة النهائية من بطولة العالم في الهوكي، غادر الفريق الروسي الوطني الملعب الجليدي من دون أن يسمع النشيد الوطني الكندي الذي تم تشغيله تكريماً للفريق الفائز، لكن لو غادر الكنديون المكان عند تشغيل النشيد الوطني الروسي لكان التلفزيون الروسي الرسمي والصحافيون الروس تذمروا مما حصل على مر أسبوعين كاملين فيتساءلون: "كيف تجرؤوا على التعامل معنا بقلة الاحترام هذه؟".يبدو أن روسيا لديها مفهوم غريب عن الاحترام، فهي تظن أنه يُستعمَل في اتجاه واحد فقط، فلا مشكلة لدي مثلاً في ركن سيارتي في وسط الرصيف، ما يمنع جميع السيارات المركونة الأخرى من المغادرة، ولا مشكلة لديّ في تغطية لوحة سيارتي بشريط "سانت جورج" الوطني لتجنب دفع المخالفة، لكن لا يمنعني ذلك من فقدان أعصابي إذا قام شخص آخر بالأمر نفسه معي.
عند جمع هذه الأحداث معاً، تبدأ الفصول المتعددة من قلة الاحترام المتبادلة بالتراكم لتشكّل موجة عملاقة من السلبية التي تجتاح جميع المجالات، بدءاً من "الجو" في أقرب مقهى وصولاً إلى السياسة الخارجية الروسية. يرتبط سلوك فريق الهوكي الروسي الوطني (وسلوك الرياضيين المحترفين بشكل عام) بالسياسة الخارجية، وغالباً ما تكون المباريات الرياضية الدولية المنفذ الوحيد كي يتبادل بلدان متخاصمان سياسياً مبادرات ودّية.لكن يعتبر الروس أن تلك المبادرات الودية هي علامة ضعف، وينطبق الأمر نفسه على أي شخص يركن سيارته في موقف مدفوع من دون تغطية لوحة سيارته، وكل من يفعل ذلك يُعتبر مغفلاً وغير جدير بالاحترام، فلا مكان لمظاهر اللطف أو اللياقة العلنية في قاموس روسيا، بل إن سلوكها ينحصر في مظاهر القوة والفظاظة.في ظل هذا النظام، تبدو القوة أكثر أهمية من الحق، ويُعتبر إلحاق شبه جزيرة القرم خير مثال على ذلك: في النهاية، يصعب تفسير تلك الخطوة انطلاقاً من القانون الدولي أمام أشخاص لا يدركون حقوقهم الدستورية ولا حتى حقوقهم الأساسية كموظفين.ثم نصل إلى رئيس البلد الذي يرافق أعضاءً ملتحين من نادي "نايت وولفز" للدراجات النارية، علماً أن عناصر هذه الجماعة وصفوا أنفسهم في مرحلة معينة بألدّ أعداء الدولة. تشير السجلات العدلية من بداية التسعينيات إلى أن جماعة "نايت وولفز" ليست مجرّد مجموعة مسالمة من الرجال الأثرياء الذين اشتروا دراجات نارية أميركية مكلفة، إذ يبدو سجلهم الجنائي الماضي حافلاً!لكن هذه هي صورة روسيا اليوم: يتصادق المجرمون من راكبي الدراجات مع الرئيس لإبداء دعمهم لما يُسمّى "القيم المحافِظة".ويصادف أنّ رئيس إحدى جمهوريات شمال القوقاز لديه لحية أيضاً ويبدو أعوانه شبيهين بأعضاء نادي "نايت وولفز"، بمعنى أنّ محيطه يعج بأشخاص لديهم مشاكل مع القانون، حتى إنهم خاضوا في الماضي صراعاً مسلحاً ضد الجيش الروسي.كان بعض الأشخاص الذين يشغلون مناصب إدارية في غروزني على لائحة الرجال المطلوبين من موسكو في الماضي، لكن لم تتلقَ الشرطة الاتحادية، ولن تتلقى يوماً، الإذن باعتقالهم لأن الفتيان المنحرفين الذين كبروا ليصبحوا رجالاً لديهم مشاكل مع القانون يُعتبَرون من أهم الأبطال في روسيا اليوم: هم يستطيعون فعل كل ما يريدونه، حتى لو خالفوا القانون علناً وصراحةً.يجب أن يكون هذا الوضع كفيلاً بإثارة استياء الرأي العام، ولا ننسى قضية رئيس سلك الشرطة في الشيشان، فهو رجل متزوج وفي منتصف العمر، وقد اتخذ حديثاً فتاةً عمرها 17 عاماً زوجة ثانية له وواكبت عشرات الكاميرات الإخبارية ذلك الحدث.تعدد الزوجات في الشيشان، فضلاً عن الزواج المبكر في جميع مناطق روسيا، ليس ظاهرة جديدة، فلا تتعلق المشكلة الحقيقية بالأعراق البشرية، بل بمنصب بطل القصة الذي يعمل كموظف في الشرطة الاتحادية. وكأنّ عرض ذلك الزواج الذي ينتهك القانون الروسي أمام كاميرات القنوات التلفزيونية لم يكن كافياً، فقد تبين أن الشخص الذي سجّل الزواج رسمياً هو صحافي تمّت دعوته للعب هذا الدور تحديداً في ذلك الحدث الفاضح.حتى لو تبين أن العروس الشابة لم تُجبَر على الزواج، وحتى لو كانت علاقة ذلك الثنائي قانونية، وحتى لو كان ذلك المراسل الذي لعب دور رئيس السجل يتمتع بحق إقامة مراسم الزواج، لا يساهم هذا المشهد بأي شكل في تحسين سمعة شرطة الشيشان.مع ذلك، لن تفرض موسكو أي تدابير تأديبية أو غرامات على قسم الشرطة هناك لأن الحدث حصل في جمهورية يسيطر عليها أحد المقربين الملتحين من الرئيس فلاديمير بوتين.يبدو هؤلاء الملتحون المقربون من الرئيس أشخاصاً صارمين وبلا رحمة، ولن يجرؤ أحد على الوقوف في طريقهم،والقوة هي المبدأ الأساسي بالنسبة إليهم، كما أنهم يجبِرون الآخرين على احترامهم عن طريق القوة، تزامناً مع تجاهل حقوق الآخرين بالكامل.من الواضح أن بوتين، ذلك الشعبوي الماهر، يستغل تلك الشخصيات لمصلحته الخاصة: اليوم، يستطيع كل مسؤول يركن سيارته على الرصيف أن يعتبر نفسه نسخة مصغرة من رمضان قادروف أو عضواً طموحاً في جماعة "نايت وولفز".لكن حين يغادر ذلك المسؤول نفسه المكتب في السادسة والنصف مساءً للذهاب إلى منزله ومشاهدة التلفزيون ورؤية قلة احترام فريق الهوكي الروسي للكنديين أو كيف سجّل رئيسهم ثمانية أهداف مجيدة في مباراة الهوكي الاستعراضية، غالباً ما يكتشف أن شخصاً آخر ركن سيارته وراءه.ولإخراج سيارته، يجب أن يمضي نصف ساعة وهو يجري الاتصالات ويصرخ على مختلف الأشخاص بأعلى صوته، في تلك اللحظة، هو لا يحتاج إلى رمضان قادروف أو نادي "نايت وولفز"، بل إنه يتمنى ولو لمرة أن تقوم الشرطة بواجبها.لكن يبدو أن أولئك الرجال الملتحين من أصدقاء الرئيس هم كل ما يحتاج إليه البلد نظراً إلى الشوائب المفرطة في سلك الشرطة، وفي جميع المؤسسات العامة الروسية. بعد 15 سنة من الحكم الاستبدادي في روسيا، تبين أن المؤسسات التي كانت قائمة سابقاً وصلت إلى حالة يرثى لها لدرجة أن الرئيس نفسه لا يملك خياراً آخر عدا مصادقة قطّاع الطرق المنحرفين.يخفي هذا النظام الذي يحتضن الأشرار والمنحرفين فراغاً مؤسسياً هائلاً، فنحن أمام لعبة قوة تخفي نقاط ضعف كثيرة: إنه ضعف حقيقي ومرعب وقد يجعل أي زعيم يرتجف خوفاً من أن يكتشفه الآخرون قريباً.إنها مجرّد لعبة حتى الآن، لكن في بلدٍ يكرّم "قانون القطيع"، يبدو أن كلّ من يتجنب أبسط علامات الضعف سيجد نفسه في وضعٍ لا يُحسَد عليه.* إيفان سوخوف