مَن يريد ديفيد كاميرون أن يكون؟

نشر في 14-05-2015
آخر تحديث 14-05-2015 | 00:01
بإمكان كاميرون أن يكون مختلفاً، فأمامه فرصة للتصرف بجرأة: لمخاطبة أوروبا، ومواجهة حزبه الخاص، وتوجيه رسالة كانت واضحة في السابق: أوروبا أفضل حالاً موحدة، وتكون بريطانيا أقوى عندما تشكل جزءاً من هذا الترتيب.
 ريل كلير لا شك أن صدمة نتائج يوم الخميس الانتخابية، التي منحت الأكثرية الكبرى لحزب المحافظين وأظهرت خطأ كل التوقعات، باستثناء ربما توقعات رئيس الوزراء السابق توني بلير، تحولت إلى حماسة عارمة في الأوساط المحافظة ويأس في الجانب الآخر، وسرعان ما توجهت التعليقات الإعلامية إلى الحديث عن دور بريطانيا في العالم، لكن هذا كان متوقعاً حتى بعد انتخابات لم تلعب فيها السياسة الخارجية دوراً كبيراً، إذ يدرك الجميع اليوم من دون أدنى شك أن الاستفتاء بشأن عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي آتٍ لا محالة، وأن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون سيتطرق له في خطاب الملكة في 27 مايو، وكما لو أن ثمة مجالاً للشك، بدأت الأصوات في يمين هذا الحزب تطالب بالاستفتاء في الحال.

فبينما راح كثيرون يفكرون في أسوأ السيناريوهات، اتسمت التعليقات بالتفاؤل في بعض زوايا المحافظين المحدودة، في المرئي والمسموع كما المطبوع، حتى إن عدداً منهم أعربوا عن اقتناعهم بأن ديفيد كاميرون أصبح اليوم في موقع يتيح له فعل ما فيه مصلحة بريطانيا، فيستطيع أن يواجه رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يانكر والتحدث إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من موضع قوة: فهو يتمتع بتفويض قوي من الشعب البريطاني، ومن الممكن بالتأكيد أن يكون ديفيد كاميرون رجل الدولة العظيم التالي في أوروبا.

كما يعلم جميع مَن تابعوا الانتخابات، سيواجه البرلمان المقبل أسئلة ترتبط بجوهر الهوية البريطانية والمصلحة الوطنية، ولا شك أن عضوية هذا البلد في الاتحاد الأوروبي ستخضع للتصويت بحلول نهاية 2017، فضلاً عن أن انقسام المملكة المتحدة بحد ذاتها لا يزال قائماً.

في ظل غياب شريك في الائتلاف يُستخدم كعذر مفيد تماماً كما حدث مع الديمقراطيين الليبراليين برئاسة نيك كليغ طوال خمس سنوات، تقع كامل المسؤولية اليوم على عاتف كاميرون، وإذا وضعنا المخاوف المحلية جانباً، نلاحظ أن إرث رئيس الوزراء هذا سيُبنى في بروكسل وأسكتلندا أكثر من أي مكان آخر، ومن المؤكد أن كاميرون، الذي لا يود أن ينسحب بلده من الاتحاد الأوروبي ويرفض تفكك أجزائه الرئيسة، يواجه عقبات عدة ستصبح أكثر وضوحاً فيما تسير حكومته قدماً، عقبات فرضها عليه ناخبوه وحزبه، ونظراؤه الأوروبيون، وتأثيرات سوء تعاطيه مع المسألة الأوروبية.

لمَ هذا مهم بالنسبة إلى أوروبا؟

لكن ما يقلق الموالين للوحدة الأوروبية واقع أن الجواب عن هذا السؤال في أمة فقدت فيها المعارضة تأثيرها الكبير قد يكون أكثر أهمية بالنسبة إلى مستقبل أوروبا، مقارنة بفرص المحافظين الانتخابية القصيرة الأجل. أعلن ديفيد كاميرون أنه سيعيد التفاوض بشأن علاقة بريطانيا بالاتحاد الأوروبي، ومن ثم الترويج لهذه التسوية الجديدة بين ناخبيه خلال الاستفتاء، لكنه بذلك سيقسّم حزبه الخاص، وسيواجه الضغوط من يمينه ومن اليسار المتشدد في حزب العمال، فضلاً عن حزب استقلال المملكة المتحدة الذي يأبى التراجع. ستحظى حملة "البقاء في أوروبا" بدعم كبار الشخصيات السياسية والتجارية في بريطانيا، لكن فرادة تصويت الانتخابات العامة وذهول الأحزاب الأخرى، باستثناء الحزب الوطني الأسكتلندي المشاغب، يعنيان أن ديفيد كاميرون يستطيع على الأرجح التأكد من تحوله إلى وجه حملة الموالين للوحدة الأوروبية، ولكن عليه أولاً أن يحصل على صفقته من أوروبا.

مارس كاميرون الضغوط على التحالفات الطبيعية في أوروبا، بدءاً من قراره سحب حزبه من مجموعة حزب الشعب الأوروبي المتشددة في البرلمان الأوروبي، وما عدنا نرى في أوروبا اليوم أي ضمانات، فضلاً عن أن بريطانيا تمر بمرحلة من الغموض، حتى إن بعض الأوروبيين يعتبرون أنهم يشهدون دراما بريطانية صرفة: دراما على بريطانيا بحد ذاتها أن تنهيها. يشير سايمون هيكس إلى أن أعداداً كبيرة في أوروبا يسرهم أن تنسحب بريطانيا بكل تهذيب وهدوء، ولا شك أن أي فكرة عن أن الصفقة ستُعقد بسهولة تعكس ضيق الأفق المتنامي في بريطانيا: "انتخبنا هذا الرجل وأرسلناه إليكم بتفويض من الشعب البريطاني"، لا بأس في ذلك ولكن لنسأل ألكسيس تسيبراس ويانيس فاروفاكيس: ما قيمة ذلك؟

هنا يأتي دور رجال الدولة. لا شك أن كاميرون ونظراءه الأوروبيين يدركون أهمية هذه اللحظة بالنسبة إلى بريطانيا والمشروع الأوروبي على حد سواء، إذ تشتهر المملكة المتحدة بابتعادها (في الاتحاد الأوروبا لا عنه)، وعلاقتها بالمؤسسات الأوروبية فريدة، وقد تعرض لاختبارات عدة في الماضي، وكما يكتب روبرت كابلان، تجلس أوروبا فوق قوس من نار، ومع انتشار أزماتها الكثيرة، تبقى إحدى مشاكلها الرئيسة واقع أن "القادة الأوروبيين يقفون عموماً في منطقة رمادية ويشبهون شخصيات سياسية فاشلة باهتة هدفها الرئيس الخداع لا التعاطي مع الأزمات الواحدة تلو الأخرى".

بإمكان كاميرون أن يكون مختلفاً، فأمامه فرصة للتصرف بجرأة: لمخاطبة أوروبا، ومواجهة حزبه الخاص، وتوجيه رسالة كانت واضحة في السابق: أوروبا أفضل حالاً موحدة، وتكون بريطانيا أقوى عندما تشكل جزءاً من هذا الترتيب. على كاميرون أن ينقل هذه الرسالة بثقة، مهما كانت الظروف السياسية المحلية، لأنها صادقة، ولا شك أن كلمة "نعم" بريطانية لأوروبا (تأكيد من شريك استفزازي في أوقات الأزمات الكبيرة) قد تمنح قوة ضرورية لمشروع إبقاء أوروبا موحدة، ومسالمة، ومزدهرة، هذا المشروع الذي بات ضعيفاً على مر العقود، لكن توجيهها "كلا" إلى أوروبا قد يطلق سلسلة ردود فعل تقود إلى تفكك الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أيضاً، وقد يتبين أن توقعات مَن ينادون بالنهاية أكثر تشاؤماً من الواقع، ولكن ما زال الوقت مبكراً لمعرفة ذلك، إلا أن الأكيد أن ديفيد كاميرون ليس مجرد رجل سياسي فاشل، بل سيخلّف إرثاً، ولا شك أن المهمة الكامنة أمامه ليست سهلة، فمن يريد ديفيد كاميرون أن يكون؟

* جويل وايكينانت

back to top