«هل ضاعت القضية الفلسطينية إعلامياً؟»

نشر في 17-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 17-05-2015 | 00:01
 ياسر عبد العزيز العنوان أعلاه ليس لي، لكنه عنوان إحدى جلسات الدورة الرابعة عشرة لمنتدى الإعلام العربي، الذي ينظمه نادي دبي للصحافة سنوياً بنجاح كبير، وهو المنتدى الذي كرّس مكانته في مقدمة قائمة الفعاليات الثقافية والإعلامية الدورية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

من بين أسرار نجاح هذا المنتدى القدرة على اختيار الموضوعات المناسبة، والجرأة في طرح الأسئلة، وهو الأمر الذي يثري النقاشات، ويعمق المحتوى، ويقرأ التحولات التي تمر بها المنطقة العربية من إحدى أكثر الزوايا قدرة على الكشف والتحليل... أي زاوية الإعلام.

كان المتحدث في جلسة "هل ضاعت القضية الفلسطينية إعلامياً؟" د. مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية؛ وهو متحدث لبق، ذو ذهن حاضر، وقدرة بلاغية، والأهم من ذلك كله ما يبديه من حماس وإيمان وشغف بالقضية الفلسطينية.

لقد عرض الدكتور البرغوثي ما يمكن وصفه بـ"خريطة طريق" استعادة الزخم إلى القضية الفلسطينية، وتغيير حالة التوازن مع الجانب الإسرائيلي، إلى درجة يمكن من خلالها التأثير في سلوكه السياسي، بحيث يمكن تحقيق الأهداف الفلسطينية في إنهاء الاحتلال والعيش بعدل وكرامة.

وقد شدد في عرضه هذا على ضرورة وحدة الصف الفلسطيني أولاً، ثم التزام خيار المقاومة الشعبية، معتبراً في الوقت ذاته أن رفض إسرائيل إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه ليس رفضاً حكومياً فقط، وليس محصوراً في أحزاب اليمين المتطرفة فقط، ولكنه أيضاً رفض شعبي.

وفي محاولته للإجابة عن السؤال الذي يطرحه عنوان الجلسة، سعى البرغوثي إلى التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية من جانب، وعلى حتمية انتصار الشعب الفلسطيني من جانب آخر، وهو الأمر الذي أكده أيضاً عمرو موسى، الذي كان ضيفاً على جلسة لاحقة بعنوان "التحولات السياسية في المنطقة".

سيمكننا أن نتفهم حرص السياسي على تقديم مقاربة تخدم تصوراً يؤمن به ويعتقد في ضرورة التمسك به لتحقيق مصالح وطنية عليا، لكن يجدر بنا أيضاً أن نحاول أن نجد إجابة منطقية لسؤال مهم تم طرحه في توقيت مناسب.

إذا كانت الإجابة بـ "نعم" أو "لا"، فإن القضية الفلسطينية لم تضع بالتأكيد، وهي ما زالت موجودة في الإعلام العربي والدولي.

أما إذا كانت الإجابة أكثر تفصيلاً، فسيمكننا القول إن القضية الفلسطينية تراجعت إعلامياً بشكل ملموس وواضح، في كل من الإعلام العربي والإعلام الدولي، وهو أمر يكبد تلك القضية خسائر كبيرة، ويعرقل تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني في الاستقلال والكرامة، سواء كان ذلك عبر حل الدولتين، أو من خلال حل الدولة الواحدة الديمقراطية غير العنصرية.

هناك دلائل كبيرة على تراجع القضية الفلسطينية إعلامياً على الصعيد العربي، يكفي فقط أن تقرأ عناوين الصحف اليومية الإقليمية أو المحلية في أي بلد عربي، أو تشاهد نشرات الأخبار الرئيسة، أو تقرأ المجلات والدوريات، أو تستمع إلى الأغاني والأشعار، لتكتشف على الفور أن نسب معالجة القضية الفلسطينية في تلك المجالات تتراجع باطراد، وتضيق المساحات المخصصة لها بوتيرة متسارعة.

كان المغرب العربي ذا اهتمام تقليدي بالقضية الفلسطينية؛ وهو اليوم مشغول إعلامياً بقضايا تخص التحول في تونس بعد ما سُمي بـ"ثورة الياسمين"، أو الخلاف الجزائري- المغربي بشأن قضية الصحراء، أو مواجهة الإرهاب الذي يطل برأسه من ليبيا المنهارة.

لن يكون بوسع ليبيا أن تركز إعلامياً في أي شأن سوى تحلل مؤسسات الدولة بها، والصراع بين الجماعات "الإسلاموية" التي تسيطر على السلطة في طرابلس في مقابل الحكومة والبرلمان الشرعيين في شرقي البلاد، إضافة إلى الخطر "الداعشي"، والاستقطاب الدولي، والتدخلات الإقليمية.

أما مصر فهي أكثر انشغالاً بذاتها من أي وقت مضى، وفي الوقت الذي يفقد إعلامها فيه الاتجاه، ويراوح بين محتوى سياسي متشنج وغارق في الانحياز ومحتوى ترفيهي منفلت وغارق في السوقية، لا تجد القضية الفلسطينية مساحات مناسبة لمقاربتها ومعالجة شؤونها.

يضاف إلى ذلك بالطبع ذلك الشعور بالمرارة الذي تكرس لدى المنظومة الإعلامية المصرية بسبب ما رأت أنه انحياز ودعم واضحين من جانب "حماس" لتنظيم "الإخوان" الذي كان عدواً شرساً لمعظم صناعة الإعلام في ذلك البلد.

فإذا انتقلنا إلى السودان، وقد كان مناصراً تقليدياً للقضية الفلسطينية، لوجدنا اهتماماً أكبر بالشأن الداخلي في ظل تحديات كبيرة، أدت إلى خفوت صوت المناصرة للقضية الفلسطينية في الإعلام السوداني بشكل واضح.

أما عن المشرق العربي، فحدث ولا حرج، فسورية باتت أكثر انكفاء على ذاتها من أي وقت في تاريخها، إثر تمزقها تحت نيران حرب أهلية مدمرة، وضعت الشعب السوري في أجواء مأساة لا تقل كارثية عن تلك التي مر بها الشعب الفلسطيني.

ومازال لبنان ضحية للتجاذب الذي أقعده عاماً كاملاً عن انتخاب رئيس، في وقت يلتبس فيه العنصر الفلسطيني بين كونه قضية عربية عادلة من الواجب مناصرتها إعلامياً وكونه مشروعاً للاستقطاب والتجيير السياسي في الصراع الداخلي.

سيكون العراق طبعاً بعيداً لسنوات طويلة عن القدرة على تسخير أي طاقة لموضوع ذي طبيعة أممية بسبب الانهيار الحاصل في هذا البلد؛ أما دول الخليج العربية المعروفة تقليدياً بمساندتها القوية للقضية الفلسطينية، وخصوصاً على الصعيد الإعلامي، فإن "عاصفة الحزم"، والصراع مع إيران، وبعض المشكلات الداخلية تأخذها بعيداً شيئاً فشيئاً عن تلك القضية المركزية، ولا تسمح لها بإفراد المساحات المناسبة إعلامياً لمعالجتها ضمن وسائل إعلامها.

القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية الأولى هذا صحيح، لكن تلك القضية تتراجع إعلامياً كلما كان وجود الدولة الوطنية العربية نفسه مهدداً، أو حينما تخوض تلك الدولة العربية صراعاً مع طرف آخر غير الطرف الإسرائيلي.

إن تراجع الاهتمام الإعلامي بالقضية الفلسطينية يفقدها قدراً كبيراً من الزخم الذي يحتاج إليه الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه المسلوبة، وهو أمر يجب أن نساعده جميعاً في الوصول إليه، مهما كانت أمورنا صعبة ومشكلاتنا كبيرة.

* كاتب مصري

back to top