أعلن الرئيس أوباما في شهر ديسمبر الماضي أنه يرغب في رؤية إيران تتحول إلى "قوة إقليمية ناجحة جداً"، وها هي أمنيته (كابوس للدول العربية الموالية للغرب) تصبح حقيقة، لنتأمل في ما يلي:

Ad

• خليج عدن: أرسلت إيران أسطولاً صغيراً من السفن الحربية والفرقاطات الحاملة للأسلحة بغية دعم الثوار في اليمن (دولة عربية غير مجاورة، غير فارسية، ولا تهدد إيران)، مؤكدة مكانتها الجديدة كحكم وقوة متنمرة في المنطقة، وعلى نحو مماثل، أرسلت إدارة أوباما حاملة طائرات لمنع هذا الخرق الفادح، على ما يبدو، لحظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة على اليمن، ولكن بدلاً من ذلك أعلنت الإدارة الأميركية أنها لا تنوي تحريك ساكن، وفي المقابل مارست الضغوط على المملكة العربية السعودية لتوقف حربها الجوية على اليمن وتوافق على التفاوض للتوصل إلى تسوية سياسية تشمل إيران.

• روسيا: بعد تعليق دام خمس سنوات أعلنت روسيا أخيراً بيع صواريخ أرض جو متطورة إلى إيران، مما يجعل منشآتها النووية منيعة تقريباً أمام أي اعتداء، فما كان رد فعل أوباما: الانتقاد، أم التهديد، أم العقوبات؟ كلا، التربيت على ظهر فلاديمير بوتين: "أنا بصراحة متفاجئ من أن الحصار دام كل هذه الفترة".

• إيران: الأسبوع الماضي عمد أوباما في خطوة وقائية إلى التساهل في الشرط الذي لطالما شددت عليه الولايات المتحدة: تفادي التخفيف الفوري للعقوبات في أي صفقة نووية إيرانية، فقد غض النظر بكل هدوء عن هذا الخط الأحمر، معلناً أن الأهم حقاً واقع ما إذا كان من الممكن إعادة فرض العقوبات في حال مارست إيران الخداع والغش. ولم تقف المسألة عند هذا الحد، بل أفادت صحيفة وول ستريت جورنال أن أوباما يعرض على طهران علاوة عند التوقيع تتراوح بين 30 مليار دولار و50 ملياراً (تُسحب من الأموال الإيرانية المجمدة)، علماً أن هذا يُعادل 10% تقريباً من الناتج الإجمالي المحلي الإيراني.

•  سورية: بعد الإصرار طوال سنوات على ضرورة "رحيل" بشار الأسد، تبنت الولايات المتحدة سياسة عدم التدخل في التعاطي مع النظام الذي وصفه وزير خارجيتها بالدمية الإيرانية.

 • العراق: لا شك أن قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، مدير الميليشيات الشيعية التي قتلت مئات الأميركيين في حرب العراق وهُزمت في النهاية خلال عملية زيادة عدد الجنود الأميركية بين عامَي 2007 و2008، يعمل بحرية اليوم في العراق، موسعاً هيمنة بلده. وفي شهر مارس، كان يدير الميليشيات العراقية عينها، إنما هذه المرة ضد "داعش" وبمساعدة تغطية جوية أميركية. هذا هو الشرق الأوسط الجديد، الذي باتت حقيقته المأساوية واضحت للجميع: بروز إيران بمساعدة، وهنا المفاجأة، من الولايات المتحدة.

اقتصرت استراتيجية أوباما الأولية في الشرق الأوسط على الانسحاب فقط، فكان من المفترض أن يدخل التاريخ بصفته رئيس السلام مطلِقاً حقبة جديدة "يبدأ فيها مد الحرب بالانحسار"، لكن عندما ملأت الفراغ الناجم، للأسف وكما هو متوقع، مجموعة من الأعداء والخصوم والأشرار، خطرت على بال أوباما فكرة جديدة: لا نكتفي بالانسحاب، بل نسلم العصا لإيران. لا يعي أوباما على الأرجح أنه يعود إلى عقيدة نيكسون، إنما مع تعديل مميت، كان هدف نيكسون الرئيس حمل الفيتناميين على مواصلة تلك الحرب نيابة عنا، لكن هذه العقيدة تطورت وعُممت لتتحول إلى تكليف عدد من القوى الصغيرة بضبط مناطقها نيابة عنا، وفي الخليج العربي كانت إيران القوة الرئيسة التي تمثلنا.

تكمن المشكلة الوحيدة في نُسخة أوباما هذه من عقيدة نيكسون في أن إيران اليوم لا تشكل قوة إقليمية علمانية موالية للغرب وللولايات المتحدة، كما كانت خلال عهد الشاه. على العكس، إيران اليوم دولة متشددة، دينية، ومناهضة للإمبريالية والغرب بشدة، أما هدف هذا النظام الاستراتيجي الأساسي والمعلن، فهو طرد الأميركيين الكفار وأعوانهم من المنطقة أو القضاء على حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. نتيجة لذلك، يشعر هؤلاء الحلفاء اليوم بخوف شديد، فهل يعتقد رئيس أميركي حقاً أن استرضاء إيران إقليمياً، واقتصادياً، وعسكرياً، ومنحها شرعية نووية، سيدفعانها إلى الاعتدال في سلوكها وعقيدتها، التي يؤدي الالتزام بها اليوم، رغم كل الظروف المعاكسة، إلى نجاح غير مسبوق؟ دخلت إيران المفاوضات وهي ترزح تحت عبء العقوبات الثقيل، معزولة دولياً، وتنزف مالياً، وكان هذا حتى قبل انهيار أسعار النفط، وكان أساس هذه المحادثات أن أمام الملالي نحو ستة أشهر للتخلي عن برنامجهم النووي أو سيتعرضون لضغط إضافي مع المزيد من العقوبات الخانقة. ولكن بعد 17 شهراً من التنازلات الأميركية المتواصلة، عاد الاقتصاد الإيراني إلى النمو، وتنتشر قواتها وأعوانها في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، فضلاً عن أنها توشك أن تجني مكافآت تمردها النووي وتشرّعها. يقاوم السعوديون إرغامهم على الخضوع للهيمنة الإيرانية؛ لذلك استأنفوا حربهم في اليمن؛ كذلك يرفصون أن يُرغَموا على التفاوض بشأن اليمن مع إيران، دولة يصفها السفير السعودي إلى الولايات المتحدة بأنها "جزء من المشكلة لا الحل". يبدو أوباما مصمماً على موقفه هذا، وهو عاقد العزم على تحويل نسخته الخاصة المحوّرة من عقيدة نيكسون التي تضع إيران أولاً إلى حقيقة، ونتيجة لذلك ينظر أصدقاؤنا في المنطقة، الذين اعتمدوا علينا طوال عقود لنحميهم من إيران، إلى هذه التطورات بذهول وصدمة.

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer