حبٌّ ضائع في حياة المبدعين!

نشر في 14-02-2015 | 00:01
آخر تحديث 14-02-2015 | 00:01
No Image Caption
عيد العشاق مرادف الحب الضائع لدى كثير من المثقفين والأدباء. يطلق هؤلاء العنان لخيالهم كلما شاهدوا الورد الأحمر في يوم 14 فبراير، فيجول بهم الماضي والحاضر والمستقبل، يعودون إلى دهشتهم الأولى وتضحياتهم ومشاعرهم الدفينة وأمنياتهم.
أكد عدد من الأدباء والشعراء المصريين لـ{الجريدة} أن الحب سيبقى رغم سطوة المادة التي تجهض قصص الغرام، وتفرغ العيد من العاطفة، موضحين أن الثقافة محبة، والحب ثقافة.
يقول الأديب إبراهيم عبدالمجيد إن عيد العشاق يذكره بقصص عشقه الخالية من الرغبات، إذ كان ينظر إلى هذا اليوم كمراهق عاشق. ويتابع: {الحب في حياة المبدعين يكبر ويملأ الغرفة حول الأديب ويصبح حقيقة}، مؤكداً أنه يرى المرأة دائماً ضحية، وهو لمس ذلك بنفسه في الأحياء الفقيرة والغنية حيث عاش، ومشيراً إلى أن أفضل الأعمال التي قرأها عن المرأة كانت {مدام بوفاري} و{آنا كارنينا} و{ثلاثية} نجيب محفوظ.

يعترف عبدالمجيد بضعفه في مواجهة المرأة، مؤكداً أنه رغم كل ما قرأه عن مكرها ودهائها في الأعمال الأدبية والحياة، فإنه توصَّل إلى أنها الضحية دائماً. ويشير إلى أنه تأثر بنساء كثيرات في حياته كن طيبات وجميلات واجهن حياة صعبة، فالمرأة  {أعظم من في هذه الحياة، لكننا للأسف لا نعرف قيمتها}.

يرحب الأديب فؤاد قنديل بيوم الحب بشكل كبير، ويحرص على إهداء زوجته الهدايا، خصوصاً أن عيد ميلادها يتزامن مع عيد الحب. يقول: {عبرت عن أول حالة حب مررت بها في قصة {الفوج القادم}، وتلتها {رسائل حب مرعبة}، وكانت نتاج حب جمعني بمدرسة اللغة الإنكليزية {سوسن} التي عشقتها في طفولتي}.

وأضاف قنديل أنه أحب بنت الجيران، ثم ثلاث فتيات كن يعملن معه في أستديو مصر، موضحاً أنه شخص رومانسي والمرأة دائماً ما كانت بالنسبة إليه ملهمة كتاباته. ولكنه عبَّر عن حزنه الشديد من تحول عيد الحب إلى مجرد يوم مادي، يقتصر على الهدايا بغياب الروح التي تميزه، ما يجعل العلاقات مهددة مباشرة بغياب العاطفة.

ويرى منسق مؤتمر قصيدة النثر المصرية الشاعر عادل جلال أن عيد الحب يعيد إليه ذكريات حبه الأول الذي كان دافعاً لنجاحه والتفوق في مراحل تعليمه الأولى، وهو عبَّر عنه بالرسم وكتابة الخواطر. ويوضح أن الحب هو المحرك الأساس للحياة عموماً وللإبداع خصوصاً، فإذا لم يعشق الإنسان فإنه لن يستطيع العيش مهما كانت المغريات.

يستكمل جلال كلامه: {بدأ معظم الفنانين حياتهم بالحب، وكان حبي إحدى مدرساتي دافعاً كبيراً للتفوق والتعلّم وقبول الحياة والتعاطي معها. الحب بمفهومه الواسع هو الخلاصة الإنسانية الدافعة إلى التقدم والنقاء والطهارة}، موضحاً أن رغبته في التعبير عن حب معشوقته كان سبباً رئيساً في بزوغ موهبته الشعرية والأدبية.

تعريف واضح

من ناحيته سأل القاص والروائي أحمد مجدي همام: {ما هو الحب؟ لا أحد يعرف، لا أذكر بالتحديد من الذي قال: تعرف أنك تحب عندما تبدأ في التصرف ضد مصلحتك الشخصية. أتمنى من أي شخص يزعم أنه يملك تعريفاً واضحاً للحب أن يوافني به، لأن ذلك الإحساس الجبّار الذي يعتمل في دخيلة الإنسان، ويجعله متعلقاً بشخص آخر، يكاد يضاهي المعجزات، بالضبط المعجزات، كأسطورة آتية من زمان غابر. يستكمل همام كلامه: {أن تجد في نفسك قدرة على أن تفيض وتغدق، وتقطّع من ذاتك لتعطي بمنتهى السعادة والبله، وأنت الذي كنت بالكاد تحقق الاكتفاء الذاتي لنفسك. أن تسافر في الجهات الأربع وتسهر وتنام وتقوم فقط لخاطر ذلك الشخص الذي اِنْوَشم في القلب، أن تحارب وتتحدى وتتعملق وأنت في الأساس من أضعف خلق الله وأقلهم قوة، أن تكتب وتؤلف وتلحن وتغني وترسم لأن إحداهن استطاعت أن تلقي حجراً في بحيرة قلبك الغافية}.

يقول همام: {قبل سنوات قرأت رواية جميلة بعنوان {أيام وليال- ضحكة سارة} للمؤلف الفرنسي - المصري جيلبيرت سينويه، قصة حب مخيفة، عبقرية، عابرة للأزمنة وللجغرافيا، تدور بين ثلاثة بلدان وثلاثة أزمنة مختلفة، وتوظف العلوم التجريبية والعلوم الموازية لصالح نسج حالة عشقية لم ولن تكون. شخصياً، إن طُلب مني تعريفاً للحب، فلن أجد أنسب من تلك الرواية تعريفاً جامعاً مانعاً، لتلك الحالة الكيماوية العجيبة والجميلة المسماة بالحب، العشق، الوله، التدله، الهيام، الغرام، الصبابة، الهوى... إلخ}.

يشير همام إلى أنه يؤمن بمقولة الروائي الأردني الراحل غالب هلسا: {لا بد من امرأة في حياة الكاتب، ليكتب}، مستكملاً كلامه: {كروائي، يحضر الحب في أعمالي، مبتوراً، خاطفاً وغير مكتمل، وعادة مقترناً بالألم، هذه أمور تنسال من اللاوعي دون أن ندركها، لكنها في النهاية تعكس جانباً من تجربتي الشخصية. الحب مأساة سعيدة إن صح التعبير، والشخص الذي لم يختبر هذا الشعور الغامض والحيوي هو شخص نصف ميت من دون ريب}.

أما الناقد الأدبي الدكتور مدحت الجيار فيقول: {الأنثى عامل مهم جداً في الحياة يشحذ العواطف، فللإنسان طاقات روحية وقدرات نفسية لن يملكها ما دام وحيداً. كثيراً ما نسمع عن قصص الحب بين الأدباء والكتاب، لأنها تكون مادة للكتابة ودافعاً أيضاً للكتابة. من ثم فإن الحب والمرأة من العوامل المهمة الأساسية في حياة الكتاب والأدباء والمبدعين، لا يمكن الاستغناء عنهما مهما كانت الظروف}. ويشير إلى أنه لولا حالات العشق التي عاشها الشعراء والروائيون لما رأينا كتابات رومانسية رائعة، بل كنا سنجد كتابات فلسفية وصحافية جامدة ومتحجرة.

يستكمل الجيار: {الحب الأول حادثة جميلة تحدث للرجل والمرأة ولهذا تكون هذه التجربة علامة مهمة وفارقة في تاريخ الإنسان النفسي وأحياناً الاجتماعي، ومن خلال هذه المشاعر يتكون أول مفهوم للحب لدى الرجل والمرأة، العشق تجربة مهمة وخطيرة تتحول أحياناً إلى نموذج ومن هنا يجب على الإنسان الاهتمام بهذه التجربة التي قد لا تأتي للإنسان إلا مرة واحدة}.

تاريخ الأدب العربي

لم يكن القديس «فالنتين» يعلم أنه يوم ضحى بحياته سيعلن أول يوم للحب في التاريخ، وأن ما فعله سيكون تقليداً لكل من يدق قلبه محبه وعشقاً وطلباً للسلام. أما تاريخ الشعر العربي، فيحمل آلاف الأسماء التي احترقت وضاعت على مذبح الحب والوفاء له، يتساوى في ذلك أعلام الشعر وصغاره الذين طواهم الألم وطحنتهم التجربة ولم يكتبوا قصيدة واحدة في غير الحب، وإن كانت طائفة الشعراء العذريين هي الأبقى. ويكفي أن يحفظ لنا التاريخ أسماء الشعراء مقرونة بأسماء حبيباتهم وليس بأبائهم مثل مجنون ليلى وجميل بثينة وكثير عزة، وأولئك الذين أماتهم الوجد واحترقوا رماداً في التجربة. وفي العصر الحديث، عرف الشعر العربي من الشعراء الوجدانيين الكثيرين المقتولين حباً وشعراً، وتكفي تجربة شاعر الأطلال إبراهيم ناجي لتكون دليلاً على أثر الألم في التجربة الشعرية، إذ ضاع حبه الأول فراح يتلمس طيفه في كل جميلة، ثم ينسكب شعراً وألماً. كذلك نجد عشرات الشعراء والروائيين في القرن العشرين وروائح الملهمات تفوح من بين سطور قصائدهم ورواياتهم وأعمالهم النثرية الثرية.

back to top