عماد فؤاد: قصيدة النثر ليست مظلومة
أكد الشاعر المصري المقيم في بلجيكا عماد فؤاد أنه لا يوجد حضور شعري راهن يضاهي الحضور الذي حققته قصيدة النثر، موضحاً أنه اكتشف متعة في كتابة روايته الوحيدة {الحالة صفر} التي يعتبرها إحدى أكثر التجارب الكتابية الممتعة التي مرَّ بها في حياته.
يعد فؤاد لإصدار الطبعة الثانية من أنطولوجيا قصيدة النثر المصرية، معه الحوار التالي.
يعد فؤاد لإصدار الطبعة الثانية من أنطولوجيا قصيدة النثر المصرية، معه الحوار التالي.
تستعد لإصدار طبعة ثانية من {أنطولوجيا قصيدة النثر، نريد أن نعرف أين ومتى تصدر؟
بعد أربع سنوات من العمل على الإصدار الثاني من أنطولوجيا {النص الشعري المصري الجديد} والذي انتهيت من إعداده أخيراً، لا أستطيع أن أحسم إجابة قاطعة عن هذين السؤالين: {أين؟} و{متى؟}، وذلك لأسباب عدة من أهمها حجم الإصدار الثاني، حيث يقارب الخمسمئة صفحة، لذلك لا أريد أن أصدره من خلال دار نشر خاصة. حلمي أن يصدر هذا المشروع عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ليكون متاحاً بسعر معقول أمام جميع القراء، لا سيما أن إصداره عن دار نشر خاصة سيزيد من تكلفته على القارئ الراغب في الاطلاع على ثلاثة عقود من تطور النص الشعري المصري الجديد، وهدفي هو طرح الإصدار في طباعة جيدة وبسعر معقول.بعد ثمانية أعوام من صدور الطبعة الأولى للأنطولوجيا 2007 في الجزائر، هل حققت قصيدة النثر الحضور الذي تستحقه في الوسط الثقافي المصري؟يوجد حضور قوي، فمعظم ما يكتب اليوم يندرج تحت مسمى {قصيدة النثر}، سواء كان ذلك في مصر أو في بلدان العالم العربي الناشطة شعرياً. الحديث عن مظلومية قصيدة النثر أعتقد أنه قل كثيراً في السنوات الأخيرة على الساحة المصرية، لأننا صرنا نشهد تسيداً كاملاً من شعراء هذا النوع في غالبية المنابر الثقافية عربياً.تثير الأنطولوجيا الكثير من الجدل، لأنها لا تحتوي على النماذج الشعرية كافة بالتأكيد، كيف تغلبت على هذه العقبة؟مسألة الجدل هذه مفروغ منها ما دمت تقوم بعمل تحتكم فيه أولاً وأخيراً إلى ذائقتك الشعرية وقناعاتك الشخصية، وقد عودت نفسي على العمل من دون أن ألتفت إلى من يريدون المجادلة لأجل المجادلة. هذه أنطولوجيا وليست عملاً مهمته رصد جميع من كتبوا ما يسمى بقصيدة النثر في مصر، وإلا فسيحتاج المشروع إلى عمر ومجلدات لا تحصى. تعني كلمة {أنطولوجيا} في ما تعنيه {انتقاء واختيار نماذج من فصيل ما}، وأرجو من الجميع أن يتفهموا هذا. ما يعنيني في الأمر هو أن الإصدار الثاني لأنطولوجيا النص الشعري المصري الجديد سيكون الأشمل حتى اليوم، لأنني أقدم صيرورة النص الشعري الجديد في مصر عبر ثلاثة أجيال كتبوا النوع الشعري ذاته، هي السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، عبر اختيارات شعرية لما يقرب من الخمسين شاعراً وشاعرة، وإن كنت لم أستطع أن أكون محايداً، لأنني انحزت أكثر إلى تجربة جيلي من شعراء التسعينيات، وأعتقد أن هذا لا يخل بنهجي في الأنطولوجيا لتمثيل أهم الأصوات الشعرية من جيلي السبعينيات والثمانينيات. حياتك في دولة أوروبية (بلجيكا)، هل تساعدك على تأمل القصيدة الجديدة وكتابتها، كونك أحد أكثر شعراء جيلك إنتاجاً (خمسة دواوين شعرية ورواية {الحالة صفر} وأنطولوجيا) حتى الآن؟لا أعتبر نفسي غزير الإنتاج. خمس مجموعات شعرية ورواية وأنطولوجيتان، على مدى أكثر من عشرين سنة من انشغالي بالشعر والكتابة ليس بالإنتاج الكثير، ولهذا أرى أنني كسول جداً، وكنت أتمنى لو تفرغت أكثر للشعر. لكن المؤكد أن العزلة بمعناها المكاني مثمرة على نحو ما، فأنت تبتعد عن مكان ألفته وتلقي بنفسك إلى عالم جديد ومغاير لتبدأ في اكتشافه، ما يفتح أمامك آفاقاً جديدة من المعرفة، ربما ما كنت لتحصل عليها لو بقيت مكانك.كيف رأيت تجربة الكتابة الروائية، بعد عُمر من الشعر؟ هل تعتقد أن الروايات تحتاج إلى طاقة شعرية لإنجازها، وما الفارق بين الروائي والشاعر من وجهة نظرك؟ {الحالة صفر} إحدى أكثر التجارب الكتابية الممتعة التي مررت بها. اكتشفت متعاً مختلفة وجديدة في السرد لم أختبرها في الشعر، متعة اكتشاف مذهلة لما هو كامن داخلك من حكايات وانفعالات وأحاسيس ووجوه وبشر، ناهيك عن متاهات السرد والشخصيات التي تتشكل بين يديك لكنها تدهشك حين تقرر أن تقلب مخططاتك كلها وتستن لنفسها مصائر جديدة.ولدت {الحالة صفر} من الشعر تحديداً، لأن الحالة التي تطرحها لا يمكن التعبير عنها سوى بلغة أقرب إلى الشعر منها إلى السرد، ومن ثم وجدتني متورطاً في الإيلاف بين النسيجين الشعري والسردي لصنع جديلة جديدة هي {الحالة صفر}. أما عن سؤالك حول ما إذا كانت الروايات تحتاج إلى طاقة شعرية لإنجازها أم لا، فأتصور أننا نرتبط أكثر بالأعمال الروائية التي تطرح موضوعات شعرية في الأساس. ثمة روايات شهيرة قرأتها واعتبرتها شعراً صافياً مع أن قالبها السردي واضح ولا جدال فيه، وكمثال على ذلك أذكرك بالأعمال التالية: {الحب في زمن الكوليرا} أو {سرد أحداث موت معلن} لغابرييل غارسيا ماركيز، {العطر} لباتريك زوسكيند، {الجميلات النائمات} لياسوناري كاواباتا، {حرير} لأليساندرو باريكو، {خفة الكائن التي لا تحتمل} لميلان كونديرا، وغيرها من أعمال روائية ناجحة لإيزابيل الليندي أو جونشيرو تانيزاكي أو روبيرتو بولانيو أو ماريو فارغاس يوسا وكثيرين ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن. وهنا أجيب عن سؤالك الخاص بالفرق بين الشاعر والروائي: لا يوجد فرق، الشيء الوحيد الذي يصنع فرقاً هو الصدق فيما تكتب، ما دمت صادقاً فستصل كتابتك إلى الناس.قلت سابقاً إنكم لم تربحوا شيئاً من مصطلح {قصيدة النَّثر} سوى الحروب والتّلاسن والاختلاف، كيف حدث ذلك؟حدث عبر عقود من المشاحنات والمعارك الأدبية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. صرنا نتعارك لمجرد العراك حول أحقية كل فصيل من الشعراء بحراسة بوابات الشعر، فيما نحن لا نملك بيتاً للشعر، ولهذا كتبت في مقدمتي للإصدار الجديد للأنطولوجيا ما يلي: {ها هي أنطولوجيا النَّص الشِّعري المصري الجديد تخرج إلى النَّور في القاهرة، وهذه المرّة تحت عنوان {ذئبٌ.. ونفرش طريقه بالفخاخ}، فهكذا كان تعاملنا مع الشِّعر، الشِّعر بوصفه شعراً، بعيداً عن المسمّيات والمصطلحات الغربية التي فُرضت على هذا النّص منذ ظهوره الأوّل، كرهنا المسمّيات والمصطلحات التي خنقت الشّعر وجعلت منه وصفة لكتابة القصيدة، كأنّها مقادير لصنع طبق جديد على موائدنا، وحين تتحوّل القصيدة إلى وصفة ما، فلا بد من أن يكون هناك فخٌّ ما، فخُّ يستهدف الشِّعر في رحابته وتنوِّعه وأشكاله وألوانه المتعددة، لم نجن شيئاً من مصطلح {قصيدة النثر} سوى الحروب والتلاسن والاختلاف. انشغلنا بصراعات المسمّيات والمصطلحات المصكوكة في الغرب، ونسينا أنَّ الشعر صار جثّة تلفظ أنفاسها بين أيادينا، وبنظرة إلى ما يحدث حولنا في الثقافات المختلفة، سنجد أن مصطلح {قصيدة النثر} صار من المصطلحات التي تخطّاها الكثيرون ليبدعوا أشكالاً أكثر تطوراً واشتباكاً مع الواقع، خالقين مما يكتبونه نصاً يعلن انحيازه الفردي إلى الشِّعر وحده، الشِّعر في معناه الشمولي والأكبر، الشِّعر.. ولا شيء آخر سوى الشِّعر}.صدر لعماد فؤاد:* {الحالة صفر}، رواية، دار ميريت، القاهرة، 2015.* {عشر طرق للتَّنكيل بجثَّة}، مجموعة شعرية، دار الآداب، بيروت، 2010.* {حــرير}، دار {النَّهضة العربية}، مجموعة شعرية، بيروت، طبعة أولى 2007، طبعة ثانية {الكتب خان}، القاهرة 2015.* {بكدمة زرقاء من عضَّة النَّدم}، مجموعة شعرية، دار {شرقيات}، القاهرة، 2005.* {تقاعد زير نساء عجوز}، مجموعة شعرية، دار {شرقيات}، القاهرة، 2002.* «أشباح جرَّحتها الإضاءة}، مجموعة شعرية، {ديوان الكتابة الأخرى}، القاهرة، 1998.