شيَّع الوسط الأدبي المصري أمس جثمان الأديب فؤاد قنديل، الذي غيبه الموت عن 71 عاماً، إثر صراع مع المرض، حيث أمضى آخر أيامه في غرفة العناية المركزة بمستشفى قصر العيني بعد تعرضه لمضاعفات في الكبد أدت إلى حدوث نزيف داخلي أدى للوفاة.

Ad

وكان آخر ما طالب به صاحب «المفتون» قبل رحيله بأيام صياغة رؤية جديدة لدور وزارة الثقافة، وطالب وزير الثقافة المصري عبد الواحد النبوي بأن يعمل جاهداً على أن تأخذ وزارة الثقافة في مصر وضعها الجديرة به، وأن يبدأ بتحديد رؤية الوزارة وسياستها الثقافية، بعدما أصابها التجمد فترة طويلة بغياب الاستقرار وهيمنة الشللية.

كان الأديب فؤاد قنديل مهموماً بالثقافة عموماً، فهو أشار إلى مشكلات كثيرة تخص نشر الكتاب وتوزيعه، والمجلات الأدبية، وثقافة الطفل، وطالما أكَّد أن المسرح والسينما يعنيان الإهمال، كذلك هيئة قصور الثقافة بحاجة إلى تطوير ودعم واستخدام أساليب عصرية، واكتشاف المواهب، والخروج بعيداً عن المباني الفخمة. الأديب الذي رحل أخيراً، كان طالب المثقفين بتقديم رؤى جديدة لخلق وزارة ثقافة جديدة، لأن الراهنة مثل الخيول التي كبرت في السن، وأرهقت وتعبت، ويجب أن تتجدد بالكامل سواء من حيث الكوادر، أو السياسات.

قسوة الفراق

قال الكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد إن رحيل الروائي فؤاد قنديل «شكَّل صدمة كبيرة لي، فهو صديق عمري، إنسان متواضع على المستوى الشخصي». وأضاف: «كان لقنديل دور بارز في الحقل الثقافي، وقدم بأسلوبه الفريد نماذج أدبية راقية، حيث كانت رواياته وأعماله علامة في تاريخ أدبنا المعاصر، كذلك استطاع أن يحفر اسمه في أعلام الفكر العربي.

وأشاد عبد المجيد برواية «روح محبات» وما حملته من قيمة أدبية عالية، ولا يمكن أن نغفل كتاباته في المجالات الأخرى بعيداً عن القصة والرواية، حيث أصدر كتباً عدة عن بعض الشخصيات الأدبية المهمة مثل كتابته عن نجيب محفوظ، صلاح جاهين ومحمد مندور.

من جانبها، قالت الروائية سلوى بكر: «رحيل فؤاد قنديل يعُد خسارة أدبية كبيرة للواقع الأدبي، ونحن نعزي أنفسنا قبل أن نعزي أسرته والأسرة الثقافية»، مضيفة أن أعمال الراحل ستخلده كونها كانت موضع احتفاء من النقاد.

أما الناقد والشاعر شعبان يوسف فأكد أن قنديل كان نشيطاً جداً في الفترة الأخيرة، حيث أصدر عدداً من الروايات، وكان معنا في إحدى اللجان بالمجلس الأعلى للثقافة، حيث نعد مؤتمراً عن الناقد محمد مندور، فكان الأكثر حرصاً على الحضور. كان يطرح دائماً الأفكار وكان متحمساً للمؤتمر رغم وهن صحته في الفترة الأخيرة.

 وأضاف يوسف أن قنديل كان على دراية كبيرة بمحمد مندور، ولكنه انقطع عن الاجتماع الأخير للمؤتمر الخاص به لدخوله في غيبوبة. وتابع أن الراحل قدَّم إسهامات كبيرة في مجال الرواية والقصة والنقد، فضلاً عن إسهاماته في الثقافة الجماهيرية في النشر، حيث وقف خلف إنشاء عدد كبير من السلاسل الثقافية، وكان قادراً على التنقيب في التراث الثقافي الحديث، وبفقدانه نكون فقدنا كاتباً من كتاب جيل الستينيات.

وأضاف: «للراحل رواية مهمة بعنوان «روح محبات» بها بعُد أسطوري، تحدث فيها عن الفساد العام من خلال رمز «الديك» الذي توحش». كذلك أدهشتني روايته «حكمة العائلة المجنونة».

مسيرة ومسار

قضى قنديل أكثر من أربعين عاماً من عمره في محرابِ الإبداع، يحمل في جُعبته 19 رواية و13 مجموعة قصصية و12 دراسة نقدية.

يقول عن نفسه: «بدأت شاعراً ثم تحوَّلت إلى القصة والرواية، أؤمن بأن الشعر هو قلب الأدب النابض، بينما الرواية هي جسده، والقصة القصيرة هي عيونه التي ننظر إليها في لمحةٍ فندرك الأعماق. وأشعر بأن روايتي أو قصتي القصيرة غير مكتملة وتفتقر إلى النبض إذا لم أنفث بها بعض الأنفاس الشعرية التي تحولها من جمادٍ إلى كائن حي، يحب ويبكي ويتنفس ويتحرك. الشجن الذي يتركه الشعر ويبسطه في النص مهم للغاية على ألا يغالي في استخدامه بحيث يطغى على جوهر المعنى الذي يتضمنه السرد، ولا ينبغي أن يُنسينا جمال الشعر دراما الإنسان وصراعاته وانفعالاته، هذه ربما هي المنطقة الشائكة التي يقع بها الكثيرون».

ويرى قنديل دور الأديب بأنه يتقصى الألم الإنساني، ويكشف عنه بمبضع جراح يعرف مواطنه جيداً، «لذا أترك الفرصة دائماً لشخصياتي كي تفصح عما تخبئه في دواخلها من خلالي. شاغلي الأوحد الإنسان الذي أشعر أنه مُعرض للسقوط، فاتأهب دائماً لألحق به وكثيراً ما يسبقني ويسقط، فأسجل حالته واستبطن مشاعره لأبثها في نصوصي». ورغم مسيرته الزاخرة، فإنه يرى أن ثمة موضوعات كثيرة لا تزال تحتاج إلى تناول خاصة القضايا المتعلقة بالمرأة وحقوق العمال والطبقية الاجتماعية، كذلك المناطق البعيدة التي ما زالت تعتبر للأسف منعزلة نوعاً ما عن المجتمع مثل واحة سيوة وحلايب وشلاتين وسيناء الغنية بالتراث البدوي والأحداث التاريخية والبطولات.

ولد الروائي فؤاد قنديل في 5 أكتوبر 1944 في مصر الجديدة بالقاهرة، حاصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة وعلم النفس من جامعة القاهرة، وعمل منذ عام 1962 في شركة مصر للتمثيل والسينما، كتب ست عشرة رواية، وعشر مجموعات قصصية، وعشر دراسات وتراجم وأربع روايات ومجموعة قصصية للطفل ومن رواياته: «الســـقـف، الناب الأزرق، أشجــان، عشق الأخرس، شفيقة وسرها الباتع، موسم العنف الجميل، عصر واوا، بذور الغواية، روح محبات، حكمة العائلة المجنونة، الحمامة البرية، رتق الشراع، قبلة الحياة، أبقى الباب مفتوحاً، كسبان حتة، المفتون».

ومن المجموعات القصصية: «عقدة النساء، كلام الليل، العجز، عسل الشمي، شدو البلابل والكبرياء، الغندورة، زهرة البستان، قناديل، رائحة الوداع، سوق الجمعة، وكتب عددا من الدراسات منها شيخ النقاد محمد مندور، عاشق الحرية إحسان عبد القدوس، كاتب العربية الأول نجيب محفوظ، أدب الرحلة في التراث العربي».

حصل قنديل على جوائز عدة من بينها جائزة نجيب محفوظ في الرواية العربية، كذلك حاز جائزة الدولة للتفوق في الآداب عام 2004، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2010.