في ظل «السيولة المهرجاناتية» التي تعيشها مصر في الفترة الأخيرة، وكانت سبباً في اتجاه عدد كبير من هواة الشهرة إلى تدشين بعض مهرجانات {بير السلم}، التي لا تعرف شيئاً اسمه اللائحة، وتجهل كل ما له صلة بالقواعد المتعارف عليها، أصبح من المألوف أن يتم الإعلان عن مهرجان {دولي} للأفلام القصيرة لمجرد أن صاحب فكرت، ورئيسه في ما بعد، ربطته علاقة صداقة بمسؤول كبير. وبعدما ساد تصور أن الدورة الأولى ستكون الأخيرة بسبب الفوضى والعشوائية استمر المهرجان ثلاث دورات نجح خلالها في إقناع جهات عدة بتمويله، على رأسها وزارتا الثقافة والسياحة ومحافظة القاهرة، وهو ما فشلت فيه إدارات مهرجانات أكثر رسوخاً، ومن دورة إلى أخرى تكبر الأخطاء كما تكبر كرة الثلج، مثلما حدث في الدورة الأخيرة التي شهدت إعلان فوز مخرجة بجائزة أفضل فيلم تسجيلي من دون أن تدري أن فيلمها شارك في المهرجان {اللغز}، فالوزير المسؤول عن الثقافة يغادر منصبه، ويأتي آخر بدلاً منه، ولا أحد يجرؤ على الاقتراب من المهرجان الذي تُديره جمعية تقبع قولاً وفعلاً في {بير السلم}، ومن عام إلى آخر يكتسب شرعية زائفة!
ينطبق الأمر أيضاً على مهرجان آخر للأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية سعى صاحبه إلى إقناع محافظ مدينة ساحلية، ورجال أعمال المحافظة، باستضافة الدورة الأولى، وأوهم الجميع أنه سيطلق مهرجاناً كبيراً لن يزيد على ثلاثة أيام تذخر بعروض الأفلام والندوات وورش التمثيل والإخراج والمعارض الفنية التشكيلية والفوتوغرافية وعروض الأزياء، و}تمخض الجبل فولد فأراً}، فالعروض الفيلمية والندوات سقطت من الفعاليات، التي اقتصرت على تكريم فيفي عبده وعبد الرحمن أبو زهرة وحفنة من أبناء المحافظة، وتحول الحلم إلى كابوس دفع مؤسس المهرجان وصاحب فكرته إلى شن هجوم شرس على المحافظ ورجال الأعمال بحجة أنهم خذلوه، ولم يمدوا أياديهم إليه، وتوعدهم بأنهم سيندمون! كان المتوقع، بعد فضيحة مهرجان المدينة الساحلية، أن تهتم جهة ما، خصوصاً في وزارة الثقافة، بما جرى، وتُخضعه لتحقيق أو مراجعة وتقييم. غير أن الصمت المطبق خيم على الجميع، وكأن الأمر لا يعني أحداً، ما شجع الرجل الذي اختار لنفسه لقب {مؤسس مهرجانات} أن يُدير الدفة إلى مدينة ساحلية أخرى، وهناك أبرم اتفاقاً مع محافظها على إقامة مهرجان آخر للأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية. وكما حدث في المرة السابقة بالضبط لم يتطرق الحديث إلى أفلام من أي نوع، وإنما جرى التبشير بأن الدورة الأولى ستشهد تكريم سبعة ممثلين واثنين من المخرجين بالإضافة إلى حفنة من الراحلين فضلاً عن ضيف شرف سعودي وآخر كويتي، وكأن الهدف من المهرجانات هو {البروباغندا} الإعلامية، والمتاجرة بأسماء المكرمين من الأحياء والأموات!هذه {السيولة المهرجاناتية} يبررها المغامرون والمتاجرون بالرغبة في محاكاة دولة المغرب الشقيق، التي تنظم ما يتراوح بين 150 و170 مهرجاناً في العام، غير أن ما يحدث على أرض الواقع أن المهرجانات المصرية صارت أقرب إلى {الصفقات المشبوهة} أو عمليات {تبييض الأموال}، التي لا يستفيد منها سوى القيمين عليها، ممن توحشوا، وعاثوا في الساحة فساداً، في أعقاب قرار د. عماد أبو غازي، وزير الثقافة السابق، بإسناد مسؤولية تنظيم المهرجانات السينمائية إلى الجمعيات الأهلية؛ إذ أساء البعض استغلال الفكرة النبيلة، التي كانت تستهدف تحرير المهرجانات من التبعية الحكومية والبيروقراطية الإدارية، وانحرفوا بها عن مسارها، بعدما وظفوها لمآربهم الشخصية، وأصبح بمقدور الواحد منهم أن يتقدم إلى الوزارة، ممثلة في المركز القومي للسينما، بموازنة وهمية تفيد بأن المهرجان سيتكلف مليوني جنيه مصري، ويتعهد، على الورق، أنه سيتكفل بتدبير نصف الموازنة، في حين يكتفي بالاستيلاء على مبلغ المليون جنيه الذي وفرته الدولة، ويُقيم مهرجاناً وهمياً لا تتجاوز كلفته النصف مليون جنيهاً، ويذهب بقية المبلغ المخصص من الوزارة إلى حسابات القيمين على إدارة المهرجان {المشبوه}!مثل هذه {الممارسات التحتية}، ورائحة الفساد التي تزكم الأنوف، كانت سبباً في تراجع الدولة عن قرار دعم مؤسسات المجتمع المدني، وعادت وزارة الثقافة إلى احتكار المهرجانات السينمائية، والهيمنة على الفعاليات الثقافية، بحجة الحفاظ على مكانة مصر، وسمعتها في المحافل الدولية، وقبل أن ننحى باللائمة على الدولة أو وزارة الثقافة، ونحملها مسؤولية التراجع المخيب للآمال، يستوجب علينا فضح مهرجانات {بير السلم}، ومن يقف وراءها، خصوصاً أن العدوى انتقلت إلى عدد من المهرجانات المخضرمة التي فقدت رونقها، وأضاعت سمعتها وهيبتها، بفضل الإدارة السيئة، وقلة الخبرة، وتحولت إلى ما يُشبه {العزب} التي ورثوها عن أبائهم، فالتكريم لا يخضع لأية قواعد أو معايير، واختيار رئيس وأعضاء لجنة التحكيم يجري حسب الأهواء الشخصية والمصالح... وتظاهرات عدة كافية لإقامة مهرجان!
توابل - سيما
مهرجانات بير السلم !
12-09-2014