مرت أربعة أشهر على سقوط الموصل ثاني أكبر مدن العراق، بيد تنظيم «داعش»، إلى جانب عشرات المدن والبلدات الأخرى، دون أن تتمخض كل الجهود الدولية والمحلية عن خريطة طريق واضحة لاسترداد الأرض، بينما تتفاقم أزمة مليوني عراقي تركوا منازلهم وصاروا مشردين في مخيمات رديئة في انتظار شتاء قاسٍ بات يدق أبواب كردستان الشمالية، حيث يقيم معظم ضحايا هذا الانهيار.

Ad

فكل الجهود والغارات الجوية التي تشنها أميركا مع حلف دولي كبير يضم دولاً عربية وأجنبية، لم تُفضِ إلى نتيجة ملموسة، سوى إبقاء بغداد منيعة أمام تهديد «داعش»، وحفظ الوضع مستقراً نسبياً في بلدات شمال العاصمة ظلت تقاوم التنظيم المتشدد منذ شهور. وإذا كانت تكريت والرمادي الواقعتان شمال وشمال غربي بغداد، ساحةً للمقاومة، ويمكن أن تتحولا إلى نصر على المسلحين بمزيد من العمل، فإن الموصل كمدينة كبيرة في محافظة نينوى، تظل المشكلة الأكثر تعقيداً.

 وساعدت الطبيعة العشائرية في تكريت والرمادي، في تشكيل قوات من مسلحي القبائل تدعمها الحكومة والأميركيون، ويمكن أن تتوسّع حين يطبق نظام «الحرس الوطني» الذي يتولى تنظيم وضع هذه الميليشيات «السُّنية» التي تقاتل «داعش». لكن الموصل بطابعها المدني لا تمتلك عشائر محاربة، ولذلك لم تمتلك قوتها الخاصة التي يمكن أن تبدأ الحرب مع مسلحي دولة الخلافة. والموصليون في الوقت نفسه، يرفضون الاستعانة بالجيش العراقي الذي يصفونه بالطائفي ويتحسسون من دوره ويخشون من عواقب دخوله مدينتهم، فضلاً عن عجز الجيش عن القيام بهذا حتى إشعار آخر، وحتى اكتمال إصلاحه وتسليحه، بعد اعتراف الحكومة بأنه جيش منهك تفككت معظم فرقه العسكرية في انهيار يونيو الماضي.

وفي هذا الإطار يكافح محافظ نينوى أثيل النجيفي، وهو شقيق أسامة النجيفي الرئيس السابق للبرلمان وزعيم الكتلة السنية الأكبر في مجلس النواب، لتأسيس نواة قتالية بالتعاون مع الأكراد، الذين منحوه قاعدة عسكرية بدأت باستقبال المتطوعين، وتطمح إلى تشكيل قوة من 12 ألف مقاتل، معظمهم من عناصر الشرطة الذين فروا من الموصل إلى كردستان المجاورة.

لكن النجيفي يشكو من عدم توفر أي بادرة واضحة لتسليح قواته، لا من الأميركيين الذين يراهنون على دور سني في مكافحة «داعش»، ولا من الحكومة العراقية التي ظلت طوال سنوات تنظر إليه كخصم لدود يبشر بتأسيس إقليم نينوى ويتمرد على المركز. البطء الذي تسير على إيقاعه الأمور في المعسكر البسيط الذي ينشر النجيفي كل يوم، صوراً من جولاته فيه على حسابه الشخصي في فيسبوك، يعكس تعقيد الحرب على الإرهاب وسط شكوك معقدة، تبدأ بشك بغداد في حكومة الموصل المحلية المنفية في كردستان، وشكوك واشنطن بقدرة بغداد والموصل على العمل معاً، وشكوك الجمهور السني بكل هذا المشروع بينما لا يزال يعيش ذهولاً وصدمة جراء سقوط ثلث الأرض العراقية بيد مسلحين لم يكن أحد يصدق أنهم يمتلكون كل هذه القدرات.

ولا تبدو بغداد قادرة على حسم القوة القتالية التي يعمل النجيفي على تأسيسها، ويعتقد الخبراء أن هؤلاء سيجري التعامل معهم بنحو مشابه لجهود دعم قوات البيشمركة الكردية، الذين يتولى الغرب تسليحهم وإسنادهم بالمستشارين العسكريين، بشكل منفصل عن بغداد، وهذا ما يراهن عليه النجيفي الذي يريد أن يقدم بديلاً «مدنياً» عن تشكيلات القبائل المحاربة جنوب الموصل، ويكثف اتصالاته مع الأميركيين لإقناعهم بجدوى ذلك، وضرورة أن يكون الاعتراف بقواته جزءاً من الاتفاق السياسي الذي أبرمه رئيس الوزراء حيدر العبادي مع السُّنة، برعاية واشنطن وضمانتها. وهذه حكاية تختصر الضمانات التي ينتظرها السُّنة العراقيون من الحكومة الجديدة التي مر على تشكيلها أكثر من شهر، ولا تزال تحاول أن تتعامل مع التركة الثقيلة لنوري المالكي رئيس الحكومة السابقة.