تتداعى الأزمات على الأمة العربية وتزداد حدتها يوماً بعد يوم، ويتوالى اشتعال الحرائق عبر الحروب والنزاعات على جغرافية الأمة، والتي كان آخرها حرب اليمن لوقف سرطان التدخل المذهبي الإيراني في المنطقة، حتى الاقتصاد العربي فيه علل رغم الثروة النفطية التي يملكها العرب، وحالة الثقافة والفكر مهددة بالتعصب والنقل عن الآخر دون إبداع وغالباً انعزل روادها عن واقع بلدانهم، والمجتمعات العربية تهددها النعرات التقسيمية الطائفية والمذهبية والعرقية، في حين أن ربيع هذه الأمة لا يدوم إلا فترة محدودة ليسقط بسبب عواصف الأصولية ورياح السلفية.

Ad

كل الأمم انتفضت لتضع بصمتها على الواقع العالمي رغم نكباتها، الألمان أذهلوا العالم بعد الحرب العالمية الأخيرة بإرادتهم الحديدية وكذلك اليابانيون، ودول شرق أوروبا الشيوعية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وجدت موقعها على خريطة العالم ولم تكن عالة على صناديق الإعانات والمنظمات الدولية، ونمور آسيا والهند لها مكانها المعلوم والمعتبر.

وكانت آخر الأمم التي انتفضت لكرامتها ووجودها بقوة هي أمة أهل الأناضول (تركيا) التي كانت ردة فعلها كأمة قوية على إهانة أوروبا لها برفض انضمامها الى الاتحاد الأوروبي، فكان مشروع العدالة والتنمية -الحزب التركي- هو تأهيل إسطنبول وتنظيمها وإخراجها من حالة الفوضى والتلوث البيئي، وقد نجح فيه، وهو النموذج الذي قدمه إلى الناخب التركي ليكسب ثقته وليس الحجاب والخطاب الديني كما يروج الإخوان المسلمون لدينا.

ونحن كأمة عربية منذ بداية عصر الانحطاط أو بكلمة ألطف "التراجع" منذ ما يقارب خمسة قرون لا ننتفض من أجل كرامتنا، وتتكالب علينا الأمم بالغزو والاحتلال ومازلنا مشغولين بالتوافه من الجدل في قضايا تاريخية بعضها عقائدي والآخر عرقي، أعداؤنا يخترقوننا بسهولة من خلال تنوعنا المذهبي والعرقي في حين أنهم يستغلون تنوعهم في إغناء أفكارهم وإبداعاتهم العلمية والأدبية.

الأقليات عندنا حتى لو كانت تتكلم بلساننا تحاول أن تحكمنا بأي وسيلة حتى لو دمرت أوطانها ووجودها في المستقبل، وهذا ما يحدث في سورية والعراق واليمن، وبينما أصبحت التجمعات الاجتماعية في الدول المدنية الحديثة ذات طابع ثقافي واجتماعي، فإن "القبيلة" تُحول عندنا إلى مؤسسة سياسية لتنقض الدولة وتنخرها من الداخل وتسقطها كما يحدث في اليمن وليبيا ودول أخرى.

ولا يتشابه مع الوضع العربي في ترديه إلا واقع الأمة الفارسية التي لم تقم لها قائمة منذ أن أسقطها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه منذ 1400 سنة، وهناك وهم فارسي حالياً بأن ما تفعله إيران في العالم العربي وتمددها فيه هو مشروع قابل للحياة، وهو حقيقة إلى اندثار لا محالة ، كما أن إعادة الفرس لتجربة الأوهام العربية بصواريخ "الظافر" و"القاهر" عبر الاستعراضات العسكرية الإيرانية "المسلية" ستنتهي عندما يستيقظون يوماً على الحقيقة المؤلمة بأن ثرواتهم بددت على الوهم، وأن الغرب ينفخ في قوتهم وقدراتهم ليكونوا أداة استنزاف وتدمير للمنطقة، وهو ما يحدث بالفعل في لبنان وسورية والعراق واليمن والبحرين، وبلا شك فإن اليوم الذي ستمثل فيه إيران تحدياً جدياً وحقيقياً للغرب، فإن كل غواصات "الشينكو" وطائرات "الريموت كنترول" ستدمر خلال ساعات.

واقعنا العربي ميئوس منه خاصة بعد أن دخل عليه عامل التدمير الإيراني فزاد مرارتنا مرارات، وأزماتنا أزمات، وإيران التي كان ممكناً أن تشكل نموذج نجاح تنموي واقتصادي تعاني البطالةَ والتلوث، وتبحث عن شراء القمح حول العالم رغم كل إمكانياتها الزراعية، وهو نفس واقعنا العربي الذي فشل في الاستغلال الأمثل لموارده وثرواته، والمقلق أن هاتين الأمتين الفاشلتين في امتحانات العصر من مدنية وتطور ستتواجهان في صراع عرقي عقائدي مذهبي دموي سيشغل البشرية على مدى سنوات طويلة مقبلة!