أول العمود:

Ad

 يوماً بعد يوم تثبت الأحداث أن الكويت بلد لا يستطيع إلا أن يسوّق لدستور محترم كما في الغزو العراقي، وسياسة سلمية تنموية كما في تسميتها مركزاً للعمل الإنساني وأميرها قائداً إنسانياً... هذه بضاعتنا التي يريد البعض بفساده تغييرها.

***

ما الجهد الذي يتطلبه تكوين ذهنيات متطرفة وأخرى متزنة وإيجابية في أي مجتمع؟

في رأيي أن التطرف لا يحتاج إلى جهد كبير، خصوصاً إن كانت البيئة المحيطة التي يتفاعل معها الإنسان تتيح له عوامل مساعدة مثل: نظام تعليمي متخلف عن التفكير العلمي والمنطقي، وإعلام لا يعي تفسير التطورات المتلاحقة في مسألة التواصل التقني ومحتوياته، ومحيط عائلي متزمّت أو غير متسامح، وانغلاق المتطرف في دائرة علاقات اجتماعية محكمة، وتداول فتاوى مدمرة لا تعي تطورات العصر.

وأعتقد أن مثل هذه العوامل متوافرة في كل بلد عربي، بل إن بعضها موجود حتى في نطاقات العيش في المجتمعات الأوروبية الديمقراطية، حيث انكفاء الجاليات العربية والمسلمة في دائرة العلاقات الاجتماعية المحدودة، وتفسير الفتاوى المتطايرة هنا وهناك والتي تتسبب في حوادث القتل بدافع حماية الشرف، والتفجيرات، والاستعراض الممجوج لممارسة بعض الشعائر الدينية.

وزارة الخارجية عندنا اعترفت على لسان وكيلها السيد الفاضل خالد الجارلله بعدم قدرتها على منع الشباب الكويتي من الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية، وفي ظني أن هذا الاعتراف جيد ومحفز للبدء بعمل ذي قيمة محلياً. التطرف في الكويت موجود وبصور كثيرة (تشريعية، إعلامية، اجتماعية) ولا يمكن قطع الخيط بين السعي إلى منع حفلة أو استقدام مطرب وبين الرغبة في الجهاد مع تنظيم ما في الخارج.

بيئة التسامح خبت منذ عقد الثمانينيات، فقد تم هدم جل الأجواء التي خلقتها أجهزة الدولة على بساطتها في مجال الحياة العامة كالرياضة والفنون وتأثير مساهمات غير الكويتيين في المجتمع عبر ثقافاتهم وسلوكياتهم الاجتماعية.

نعم البيئة الكويتية اليوم تنضح تطرفا بسبب مناهج التعليم، والفتوى العابرة للقارات، وانعدام الحس الوطني لدى أكثر العاملين في الحقل السياسي إلى درجة بدت حتى في استخدام مفردات التخاطب الغريبة عن المجتمع الكويتي، والصراعات بين التنظيمات الدينية لمآرب مادية (وزارة الأوقاف نموذجا)، وكراهية المختلفين عنا في الملة والمذهب.

سنظل في الكويت نصدر عناصر كويتية للجهاد مع تنظيمات عابرة للقارات ما لم يتم استعادة وتطوير الأجواء المتسامحة التي سادت الحياة العامة قبل الثمانينيات، وأجزم بأن أول حقول العمل في ذلك هو المدرسة، وما انخراطنا في تحالف دولي موسع لمحاربة "داعش" إلا نتيجة تراجع في المنطقة العربية عمره 30 عاماً.