مالالا تعيد الثقة بإمكان الانتصار على الظلام
مُنحت جائزة نوبل للسلام يوم الجمعة قبل الماضي (العاشر من أكتوبر) مناصفة بين الفتاة الباكستانية مالالا يوسفزاي، والهندي كايلاش ساتيارثي، "لنضالهما ضد قمع الأطفال والمراهقين، ومن أجل حق الأطفال في التعلم". وفي هذا الصدد، شدد رئيس اللجنة النرويجية لـ "نوبل"، ثوربيورن ياغلاند على أن "الأطفال يجب أن يذهبوا إلى المدرسة، وألا يتم استغلالهم مالياً"، وهذه هي الرسالة السامية، التي حاولت مالالا (17 عاماً) نشرها عبر العالم من خلال مدونتها، التي بدأت تكتبها منذ سنة 2009.
في يناير الماضي، أجمعت نشرات الأخبار في مختلف القنوات التلفزيونية، وكذلك الصحف البريطانية، سواء الجادة أو الشعبية، على اعتبار أن أهم أخبار ذلك اليوم هو خروج الطفلة الباكستانية مالالا من مستشفى الملكة إليزابيث في مدينة برمنغهام البريطانية التي كانت تتلقى العلاج به، وذلك بعد أن أطلق مسلح من حركة "طالبان" الرصاص على رأسها الصغير، لتستقر إحداها فوق عينها اليسرى مباشرة، بسبب تحديها حركة طالبان، وكشفها جرائمهم ومناصرتها لحق البنات في التعليم. في التاسع من أكتوبر من العام الماضي، أوقف شخصان ملثمان سيارة تقل طالبات عائدات من المدرسة، وصعد أحدهما وصرخ في وجه الفتيات: "من منكن هي مالالا؟ تكلّمن، وإلا أطلقت النار عليكن جميعاً"، وأضاف "المجاهد" صارخاً: "أين التي تهاجم جنود الله، طالبان، ويجب أن تُعاقب"، ثم تعرّف عليها، فأطلق عليها الرصاص.لم تخجل "طالبان" مما جنت أيديهم، بل فاخروا بذلك، وصرح متحدث باسم حركة "طالبان" يدعى إحسان الله إحسان: "تم إطلاق الرصاص على مالالا، لأنها فتاة علمانية، وأنه يجب اعتبار ذلك تحذيرًا للشباب الآخرين على شاكلتها، وأنها لن تكون آمنة إذا نجت هذه المرة"! وأضاف: "لقد كانت داعمة للغرب، وتعادي "طالبان"، لقد كانت صغيرة، ولكنها كانت تدعم الثقافة الغربية".بدأت شهرة مالالا يوسفزاي عندما بدأت تهاجم وتكشف الفظاعات التي يرتكبها المتشددون الإسلاميون الذين كانوا يسيطرون على وادي سوات شمال غرب باكستان، حيث كانت تعيش، وذلك في الأعوام 2007-2009 من خلال مدونة تحت اسم مستعار.وقالت في مقابلة لإحدى المحطات التلفزيونية: "لقد أردت أن أصرخ وأصيح بأعلى صوتي، وأن أخبر العالم بأسره بما نعانيه تحت حكم طالبان". لم تكن مالالا قد أتمت عامها الرابع عشر بعد، وكانت قد منحت جائزة السلام الوطني في باكستان في العام السابق.في ظل سيطرتهم على وادي سوات، أحرق المتشددون "أصحاب العمائم" المدارس، وحظروا تعليم البنات، وأجبروا النساء على ارتداء البرقع أو البقاء داخل منازلهن، وحوّلوا "وادي سوات" الزاهي الألوان إلى وادٍ بلا ألوان.من بين ما كتبت مالالا في صفحات مفكرتها الصغيرة في تلك الفترة:- "يوم السبت 3 يناير 2009: اليوم أعلنت مديرة مدرستنا أن البنات يجب أن يتوقفن عن ارتداء الزي المدرسي بسبب طالبان، وقالت: تعالين إلى المدرسة باللباس العادي، وفي فصلنا الدراسي حضرت إلى المدرسة ثلاث فتيات فقط، وقد تركت صديقاتي الثلاث المدرسة، بسبب تهديدات طالبان".- "5 يناير: اليوم، طلبت منّا معلمتنا عدم ارتداء ملابس زاهية الألوان، لأنها قد تثير حفيظة طالبان".- "الثلاثاء 3 مارس 2009: في طريقنا إلى المدرسة، طلبت مني صديقتنا تغطية رأسي بشكل لائق، وإلا فإن طالبان ستعاقبنا".- "الخميس 12 مارس 2009: التهبت حنجرتي وأخذني والدي إلى الطبيب، وهناك حدثتنا امرأة عن ولد يدعى أنيس، "أنيس كان مع طالبان" وقال له صديقه من "طالبان" إنه رأى في المنام أنه محاط بعذراوات في الجنة، وعندئذ سأل الولد والديه إذا كان بإمكانه أن يصبح مفجّراً انتحارياً حتى يذهب إلى الجنة، فرفض الوالدان، لكن أنيس فجّر نفسه أمام نقطة للقوات الأمنية، على أي حال".يعد التتويج بجائزة نوبل للسلام، تكريما مهمًّا لهذه الفتاة الشابة، التي ظلت متشبثة بمبادئها ونضالها من أجل تعليم الفتيات في العالم، رغم كل التهديدات التي تواجهها داخل باكستان وخارجها. مالالا الآن أصغر حائزة على الجائزة خلال 114 عاماً من تاريخ منحها، قد يكون في قصتها ما يدفع كثيرين ليعيدوا النظر في مفاهيمهم عن أساليب المقاومة لدفع المجتمع إلى الأمام.