منصورة يا بغداد... مظلومة يا بيروت!

نشر في 08-03-2015
آخر تحديث 08-03-2015 | 00:01
 عبدالمحسن جمعة بحثت في جميع مواثيق وعهود الحرب ونظمها الغابرة والحديثة فلم أجد أن هناك ما يُجرِّم أن يضرب المعتدَى عليه الخطوط الخلفية وخطوط الإمداد لعدوه الذي تجاوز الحدود واعتدى عليه، إلا في ما بين سورية ولبنان، فهناك طرف عبَر الحدود، بعدِّه وعديده، وهو كيان عسكري يعرفه العالم ككل اسمه «حزب الله»، وذلك بعد فترة بسيطة من انطلاق الثورة السورية، وقبل أن يقترب أي سوري مسلح من الحدود اللبنانية، والأمر الواضح وضوح الشمس أن اللبنانيين أو جزءاً منهم، هم الطرف الباغي، ولكن العالم يغض النظر ويصفق للجيش اللبناني ويؤازره بالمال والسلاح!

في معركة أو مذبحة «القصير» التي أسقطت أحرار سورية وخنقتهم في حمص وريفها، كانت ثلاثية البغي واضحة، فجيش النظام السوري يحمي من المرتفعات أرض المعركة، والطرف الثاني هو ميليشيات «حزب الله» كانت هي قوات الاقتحام المدربة على القتال الهجين بين نظم الحرب التقليدية ومعارك المدن، بينما الطرف الثالث هو الجيش اللبناني الذي يقوم بدور حافظ خطوط الإمداد ومنسقها وحامي ظهر مقاتلي الميليشيات من أي التفاف من خلفها.

نفس هذه الثلاثية تنتظر في هذه الأثناء ذوبان الثلوج في القلمون ومرتفعاتها وجرودها، لتقوم بمعركة كبيرة سيكون للجيش اللبناني هذه المرة فيها دور أكبر، خصوصاً بعد تسلُّمه أسلحة ومعدات عسكرية متميزة بتمويل خليجي! وكما كانت معركة القصير فارقة لمصلحة نظام الأسد لحمص وريفها فإن المعركة المقبلة ستكون كذلك مهمة لتأمين دمشق لمصلحة النظام كما تريد واشنطن، ليكتمل تقسيم سورية ويمتد المخطط حتى العراق ليخنقنا في الخليج ويهددنا.

بينما المهم عندنا، كعرب وخليجيين، أننا أنقذنا لبنان وحفظنا بيروت المظلومة! من المتطرفين السوريين الذين يقاتل مقاتلو «حزب الله» اللبنانيون في أحيائهم ومدنهم ويُقتَل أهلهم بالبراميل المتفجرة ويتجمدون في خيامهم من الصقيع ويغرقون في البحر المتوسط وهم يهربون من بؤسهم، وبذلك نكون صادقنا على وصف «حزب الله» لهم بـ «التكفيريين» وهم مَن يحاربهم أيضاً بقوة وزير الداخلية اللبناني الصنديد نهاد المشنوق ليأمن الضاحية الجنوبية، حتى لو اختنقت عرسال وعُذِّب أهلها، وتبقى الغاية الأسمى أن ندعم الجيش اللبناني ونشجعه ونصفق له كما يريد الغرب حتى يؤدي «حزب الله» ولبنان الدور المطلوب منهما في المخطط الجديد للمنطقة.

*********

بغداد تختبر مجدداً مصيبة أخرى من مصائبها على مر التاريخ، فلم تلبث أن تفرح بنهاية دكتاتورها البعثي حتى جثم على صدرها الطائفيون وميليشياتهم وقائدهم السليماني، وما يفعلونه من جرائم من تقتيل وتطهير عرقي برضا أميركي وتجاهلِ دولي بموجب فتوى من المرجعية التي أنشأت قوى «الحشد الشيعية» وما فعلته في ديالى، وما يتكرر الآن على مشارف تكريت وفي محافظة صلاح الدين عموماً، وسط صمت عربي، لاسيما من مصر التي أصبح دورها سلبياً جداً، وتريد أن يقف الجميع معها بينما هي غير معنية بما يحدث في المنطقة، وسيكون لنا حديث مفصل حول ذلك في مقال لاحق.

ولولا خروج وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بتصريح صحافي حول احتلال إيران للعراق والفظائع التي تُرتَكب ضد العرب السُّنة تحت غطاء محاربة العملاء والخونة المتخلفين المنضوين تحت ما يسمى «داعش»، لظلت تلك المجازر تُتداول على وسائل التواصل الاجتماعي دون حتى تنبيه وتنديد بها.

وهو بلا شك أمر لا يكفي، ويوضح أن عملية تسليم الموصل وأجزاء من العراق لـ«مخابيل داعش» الهدف منه ما سيجري خلال الأسابيع المقبلة من معارك يطلق عليها تحرير تكريت والموصل وخلافه، بينما هي عمليات إبادة وتطهير عرقي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل، تحت سمع وبصر العالم وبتصميم إيران وموافقة أميركية وتخاذل عربي، وسيتم خلالها تدمير أكبر المدن ذات الكثافة السكانية السنية وأهمها مدينة الموصل وجوارها، ولكن رغم ذلك فإن التاريخ يشهد بأنه في كل مرة تحتل بغداد وتستغل كمنصة لتدمير العالم العربي فهي التي تنتصر في النهاية ويعود المعتدون خائبين... ومنصورة يا بغداد العرب على كل طائفي وديكتاتوري وظالم عنصري!

back to top