شهادة للأديب والمؤرخ خالد سعود الزيد عن الشيخ عبدالله السالم الصباح
تُنشر بعد مضي قرابة الستين عاماً على وفاة «أبو الدستور»
تفتح وعي خالد سعود الزيد (1937 - 2001)، رحمه الله، في عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح (1895 - 1965)، رحمه الله، إذ عاش في ظل حاكم محبوب شعبيا ومقدر دوليا، لما له من نهج إصلاحي تنويري مؤسساتي، أراد منذ توليه الحكم أن يحول الكويت من إمارة إلى دولة لها دستورها ودوائرها وحياتها النيابية والتشريعية والقضائية، لتكون نقطة ضوء في منطقة الخليج، وأنموذجا ينقل الكويت من المشيخة إلى الدولة، ومن المحلية إلى العالمية، وقد كان هذا مطمع ومطمح شباب ذلك الجيل الواعد الذي كان الزيد أحدهم.سأل أحدهم المؤرخ والأديب الشاعر خالد سعود الزيد عن الشيخ عبدالله السالم الصباح راغبا في انتزاع شهادة منه، لأنه أحد أبناء ذلك الجيل، فسجل له هذه الشهادة شفويا في يوم السبت 26 نوفمبر 1988، ومازلت أحتفظ بنسخة من هذا التسجيل الذي لا تتجاوز مدته أربعين دقيقة.
وظللت محتفظا بهذه الشهادة الشفوية، وبلغة الزيد الآسرة لفظا ومعنى، واليوم وبعد مضي قرابة الستين عاما على وفاة «أبو الدستور» في شهر الدستور، آثرت أن أشرك القارئ الكريم في الاطلاع على شهادة أحد أبناء ذلك الجيل لأمير كان نبراسا لدولة الكويت الحديثة، وسراجا منيرا أضاء الطريق لشعب اجتمع عليه حبا، فبقى به حيا.شهادة للأديب المؤرخ خالد سعود الزيد عن الشيخ عبدالله السالم المبارك الصباح (1950 - 1965) الحاكم الحادي عشر للكويت:"ما حَكَم الكويت وما حَلَّ رجَل مبارك الناصية وميمون النقيبة (العقل) مثل عبدالله السالم، رحمه الله، كان عبدالله السالم أباً وأخاً وصديقاً لكل من عاش في هذا البلد، لم يكن حاكماً فحسب، بل كان شيئاً آخر بالنسبة للناس في الكويت، كانوا ينتقدونه ويجلّونه ويحبونه حباً جماً، لا أعلم أن أحداً حكم الكويت ولاقى قبولاً ومودة ومحبةً مثلما كان عبدالله السالم الصباح – رحمه الله، كان على خلق جَمْ، ولقد ولد، رحمه الله، في عام 1895، وتوفي عام 1965، فتكون حياته حين توفاه الله سبعين عاماً، ولِد قبيل أن يحكم جده مبارك الصباح (1840 - 1915) الكويت بعام واحد، ونشأ في طفولته وصباه، وهو يشهد حكم جده مبارك الصباح، وهو أقوى حاكم حكمَ الكويت، بل إن الكويت كانت مَدِينَة لمبارك بأنها أصبحت دولة، ذات حدود وذات سيادة في عصر هذا الرجل، شهد الصراع على السلطة بين مبارك الصباح وجيرانه والإنجليز، ولا شك في أنه كان يعي كل ذلك وَعياً تاماً، كما كان يعي ما كان يُوَجّه إلى الحُكم من رأي معارض ولا أقول من رأي مضاد من قبل الفئات الشعبية الأخرى. حينما توفى الله مبارك الصباح كان عُمر عبدالله السالم عشرين عاماً تقريباً أو تسعة عشر عاماً وبعد وفاة مبارك الصباح تولى الحكم ابنه جابر (1860 - 1917) الذي لم يلبث في الحكم إلا يسيراً ثم توفي، وحكم بعد جابر بن مبارك سالم بن مبارك (1864 - 1921) وهو والد الأمير عبدالله السالم رحمه الله.حنكة سياسيةحدثت في عهد سالم المبارك أحداث جسام على المستوى الدولي والإسلامي والعربي والمحلي، ولكن سالم المبارك استطاع من خلال تلاحمه مع الناس أن يجتاز كل الصعاب التي مرت بها الكويت، وبعد وفاته تولى الحكم ابن أخيه الشيخ أحمد الجابر (1885 - 1950)، رحمه الله، وكان رجلاً موصوفاً بالحنكة السياسية وعلى جانب وقدر كبير من الحكمة، وكما تصفه الوثائق البريطانية بأنه كان شخصاً عنيداً.كان حكم أحمد الجابر أطول فترة حكمها حاكم كويتي، إذ حكم من عام 1921 حتى عام 1950، وهذه فترة طويلة لم يحكمها إلا عبدالله بن صباح الأول (1740 - 1814)، حيث حكم أطول منها مدة (1776 – 1814)، وخلال الثلاثين عاماً التي حكمها الشيخ أحمد الجابر رحمه الله مرت ظروف صعبة عربية ودولية ومحلية في البلاد ومرت ظروف اقتصادية، كما ان في تلك الفترة التي حكم فيها أحمد الجابر بدأت الشعوب العربية تتنور، وبدأت الثقافة تزحف، وبدأ الفكر يأخذ شيئاً من مكانه بعد فترة الجمود والاضطهاد في العصر العثماني الذي كان مهيمناً على المنطقة العربية، وهناك عوامل كثيرة جدت، منها اقتصادية مثل كساد اللؤلؤ الطبيعي وزراعة اللؤلؤ الصناعي، وقيام دول قوية مجاورة للكويت ترخي وتَشد أحياناً، والكويتيون كما نعلم ناس تجار، أي زعازع في المنطقة، وأي عدم صفاء بين الكويت وجيرانها يؤثر على اقتصاداتها تأثيراً ظاهراً أو تأثيراً بيناً.حركة إصلاحيةلذلك ولدت حركة إصلاحية عام 1938 قادها تجار والمثقفون حين ذاك، كانت حركة إصلاحية، وكانت تحاول أن تتعاون مع الحكم يوم ذاك على إجراء إصلاحات كان لابد منها في ذلك اليوم، إصلاحات اقتصادية وإدارية واجتماعية، لكن يبدو أن الإنجليز - وكانت لهم كلمة نافذة في المنطقة وفي الكويت - يبدو أنهم لم يكن قد أعجبهم الشيخ أحمد الجابر، رحمه الله، في صلابته وتشدده معهم، وكما قلنا أولاً إنهم كانوا يصفونه بالعناد في وثائقهم السرية، لم يكن يعجبهم من هذا الأمير الذي بقي وحده دون أمراء المنطقة غير خاضع لسلطانهم خضوعاً كما يبتغون، وكما يريدون، لذلك وجدوا في هذه الحركة متنفساً لهم، بحيث يخلقون عداءً بين أصحاب هذه الحركة الإصلاحية والحكم يومئذ، لذلك فقد لعب الإنجليز على الحبلين، في الوقت الذي كانوا يُخَوِّفون الأمير من هذه الحركة، كانوا يعطون هذه الحركة سرَّا تأييدهم، وما كانوا بمؤيدي هذه الحركة حقاً لأن الحركة أيضاً كان من بين مطالبها الانفتاح على العراق في عهد الملك غازي (1912 – 1939)، إلا أن الطرفين (الشيخ أحمد الجابر وأصحاب الحركة الإصلاحية) لم يكونا على علم بالنوايا التي كان الإنجليز يبيتونها للطرفين.رئيس المجلس التشريعيوكان على رأس هذه الحركة الإصلاحية الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، كان هو رئيس المجلس التشريعي والذي تشكل آنذاك، وحينما بدأ التطرف من قبل الحركة وأصحابها كان عبدالله السالم، رحمه الله، من جانبه وبعض أعضاء المجلس التشريعي يحاولون محاولة مستميتة لكي يبقى أعضاء المجلس التشريعي معتدلين في آرائهم وفي مطالبهم حتى لا تنقطع شعرة معاوية بين الحكم وأصحاب هذه الحركة التي كان يقودها بلا شك أناس أجلاء، ولكن كان من بينهم أناس أغرار شباب لم يكونوا قد مارسوا التجربة من قبل، ولم يكونوا على علم وعلى دراية بالحكم وبالمجالس التشريعية، وبموت غازي، وخوفا من أن تكون لهم سيطرة أكبر، ولأن ميل الشيخ أحمد الجابر الصباح هو ألا يكون مع الإنجليز في ضغوطهم بل لقد أرخى الحبل لأصحاب هذه الحركة، مما أغاض الانجليز أيضاً عليه؛ لأنه كما يُروى عنه كان مشايعاً -إذا جاز هذا التعبير- للحركة أكثر من أن يرضخ لمطالب الإنجليز، كان يرى أن يكون على غير ما يريده الانجليز لهذا البلد، كان عليماً ومطلعاً على النوايا الإنجليزية لذلك لم يكن راضياً عن هذه الضغوط الانجليزية، ولم يكن مشجعاً لأقاويل الحكومة البريطانية عن هذه الحركة، ولكن موت غازي وخوفاً من أن تنفلت الأمور رأى الإنجليز من الحكمة ومن المصلحة أن تموت هذه الحركة، وفعلاً قُبِرَت هذه الحركة بعد عام من ولادتها لظروف معروفة.سفيراً لأحمد الجابرعبدالله السالم كان أيضاً سفيراً لأحمد الجابر، سافر إلى المملكة العربية السعودية في الثلاثينيات ليتوسط بين أحمد الجابر وبين ملك المملكة العربية السعودية آنئذ عبدالعزيز آل سعود (1876 – 1953)، كان كثير الأسفار إلى الهند وإلى الأقطار العربية المجاورة، وبعد أن توفي أحمد الجابر عام 1950 لم يكن عبدالله السالم بالبلاد، ولما جاء حاول الإنجليز أن يؤخروا تسليمه السلطة، ماطلوه في تسليم السلطة إلا وفق شروط هم وضعوها، ولكنه رفض تلك الشروط.توفي الشيخ أحمد الجابر رحمه الله على وجه التحديد في 29 يناير عام 1950، وكان عبدالله السالم في مسقط، وحينما جاء -والعادة أن يتسلم ولي العهد الحكم مباشرة بعد وفاة أمير البلاد، إلا أن الإنجليز وقفوا له بالمرصاد، عارضوه وساوموه وهددوه واشترطوا عليه شروطاً، قبل على مضض هذه الشروط على أن يتولى الزمن وحده حل هذه المشاكل، وتولى الحكم في 25 فبراير 1950.ظل هو والانجليز - شكلياً - على رضا، ولكن في الباطن كان كلاهما يتحين الفرصة على صاحبه وكلاهما يداور صاحبه.وحصلت ظروف أشرت إليها في كتابي (فهد الدويري) فزاد الإنجليز من عائدات النفط للكويت بدلا من أن كانوا يعطون الكويت خمسة في المئة أعطوا الكويت 25 في المئة.في "بداية تولي" عبدالله السالم "مقاليد الحكم" أراد أن يشارك الناس أو يُشرك الناس معه في الحكم فقامت انتخابات في الكويت للمشاركة الشعبية فأنشئت مجالس الدوائر الحكومية، لم تكن في الكويت قبل الاستقلال وزارات وإنما كانت هناك دوائر، دائرة الأوقاف، دائرة البريد، دائرة الأمن العام، دائرة الجمارك، دائرة الأشغال، دائرة الصحة كل هذه الدوائر، فلأول مرة في الكويت تكون هناك مجالس لإدارة كل دائرة حكومية.فتح المدارسمن عظيم صنعه أنه حينما رأى تدفق الخير والمال على البلد أمر بفتح المدارس ليس في الكويت فحسب، بل في الخليج عامة، طلب من حكومات الخليج ومن إمارات الخليج أن تفتح صدورها لمعوناته، وأن تفتح صدروها لمدارسه التي أنشأها هناك، وأرسل لها المدرسين والكتب ليدرس أبناء المنطقة في هذه المدارس، كان يريد أن يجعل من الخليج كله لا من الكويت وحدها منارة علم، بل لقد أهدى بعض إمارات الخليج جهاز الإذاعة ثم جهاز التلفزيون أيضاً مما مهد لدول الخليج بعد استقلالها أن تجد قاعدة مثقفة من بينها تتولى إدارة حكم هذه البلاد.كانت عُمان يحكمها سعيد بن تيمور (1910 – 1972) والد السلطان قابوس الحالي، وكان قد وضع سوراً من حديد على عمان ولكن عبدالله السالم - رحمه الله - كان يدفع بالشباب العماني إلى أن يقوموا بفك هذا الحصار عنوة، وكان يستقبلهم وأمر أجهزة الدولة باستقبال هؤلاء، وبتعليم هؤلاء بمدارس الكويت، والإنفاق على هؤلاء شهرياً، وإسكانهم مساكن حكومية داخلية. وفعلاً أنا حينما زرت عمان عام 1983 بدعوة من حكومتها لإلقاء بعض المحاضرات هناك، اجتمعت بكثير من هؤلاء العمانيين الذين درسوا في مدارس الكويت، وبعد الثانوية رحلوا ليدرسوا في الجامعات المصرية التي استقبلتهم بكل ترحاب، وكانوا يشكرون الكويت على ما فعلت معهم، ويتذكرون تلك الفترة الجميلة من فترات حياتهم التي قضوها معنا في هذا البلد في ظل حكم هذا الرجل العظيم الذي نطلق عليه اسم عبدالله السالم، رحمه الله.الثورة المصريةحصلت ظروف كثيرة وجدّت ظروف كثيرة في الوطن العربي، منها قيام الثورة المصرية، قيام الوحدة بين مصر وسورية كل ذلك قوى مركز عبدالله السالم ليفاوض الإنجليز بشكل شجاع، مما دفع الإنجليز إلى أن يتنازلوا له كثيراً عن كثير مما كانوا يطمعون به في الكويت، حتى إذا ما جاء يوم 19 حزيران 1961 تسلم عبدالله السالم الصباح رحمه الله أو انتزع عبدالله السالم رحمه الله استقلال الكويت من الانجليز وَوُقِّعَت وثيقة الاستقلال.مرحلة الاستقلالالاستقلال كان فترة ومرحلة استطاعت الكويت فيها أن تحقق كثيراً من الإنجازات التي كان يطمع بها عبدالله السالم رحمه الله، تشكلت في عهد الاستقلال دولة حديثة، دولة حرة، وكان أول مرسوم لتوطيد هذه الحرية وهذا الاستقلال هو المرسوم القاضي بإجراء انتخابات لمجلس تأسيسي في 6 يناير 1962، وقد وضع هذا المجلس التأسيسي أول دستورٍ تُحْكَم البلاد بموجبه، وبعده تشكلت أول وزارة في عهد الاستقلال في 17 يناير 1962.أول دستورهذا المجلس وضع - كما قلت - أول دستور لتُحكم من خلاله البلاد، وخرج هذا الدستور العظيم والذي لم يزل قائماً ليضمن حقوق المواطنين الاجتماعية والسياسية، وهو أول دستور يولد في الجزيرة العربية في عهد الاستقلال. وتتَوَّج عمل المجلس التأسيسي بالتصديق من قبل الأمير على هذا الدستور، وصدر هذا الدستور، ولا أجد كلمة موجزة تعبر عن هذا العمل الجبار، أي خروج الدستور إلى حيز الوجود خيرا من كلمة قالها الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان - رحمه الله - يقول هذا الرجل: "إن صدور الدستور يعتبر من الأيام الغُر الخوالد في حياة الكويت، ولهذا فإنه يدخل ضمن أعياد الدولة التي يجب أن ينتهزها الشعب كل عام". وفعلا لقد صدق هذا الرجل ويجب أن يحتفي ويحتفل الكويتيون جميعاً من أدناهم إلى أدناهم بمولد هذا الدستور الذي يعتبر أعظم ما قَدَّمَه الأمير الراحل عبدالله السالم رحمه الله لهذا البلد، لقد كان مطمعاً من مطامعه ومطمحاً من طموحاته الكثار.لا أجد كلمات تفي عبدالله السالم رحمه الله حقه، كان - كما قلتُ أولاً - أباً وأخاً وصديقاً، كان يخرج كل يوم من قصر الشعب الذي فيه منزله وهو منزله، عصر كل يوم في الساعة الرابعة إلا خمس دقائق ليجوب الكويت شرقها وغربها بسيارته وحده، إلى أن يمر على بعض أصدقائه بسيارته ليأخذهم معه يرافقونه في هذه الجولة اليومية التي ظل حريصاً عليها حتى توفاه الله.كان يرفض أن تصاحبه أي سيارة أمن، كان يعجبه وهو في طريقه أن يتوقف أحياناً على قارعة الطريق ثم يعاود المسير، ولم يكن معه غير سائق، كان يعجبه - أحيانا - أن يلتقط بعض المارة على الطريق ليوصلهم إلى حيث يريدون، علموا بشخصه أو لم يعلموا لم يكن ذلك يعنيه إطلاقاً.كان حريصاً على سماع آراء الناس، وما يقولون في مجالسهم أو في لقاءاتهم معاً، كان شديداً مع هؤلاء الذين يريدون أن يعبثوا بحرية هذا البلد.لذلك حينما سقط فجأة لمرض انتابه وهو يلقي خطابه في مجلس الأمة الذي صنعه بيديه، تراكض أولاً أعضاء المجلس لإسعافه وكلهم محبوه، من معارضة ومؤيديين للحكم. كان على رأس المعارضة أحمد الخطيب وكان رأس مسعفيه الدكتور أحمد الخطيب، كان يرى فيه صورة لأنبل رجلٍ حكم هذه البلاد، صورة لأبيه، وأخيه، وصديقه العظيم.كل الناس فزعوا ولم أرَ أحداً لم يتوجع حينما كان طريحاً على فراشه في منزله في قصر الشعب، توافدوا الناس زرافات ووحدانا يحيطون بالقصر، ليالي وأياماً، وكنت واحداً من هؤلاء مع أهلي مع أبنائي، وقفت بسيارتي دون أن نعرف ماذا نصنع؟ دون أن نعي ماذا نفعل، وإنما كلنا أمل، وكلنا رجاء، وكلنا ابتهال إلى الله عز وجل أن يحفظ ذلك الرجل.ولكن أبى الله إلا أن يقبض إليه هذا الرجل بعد أن أدى الأمانة، وخرجت الكويت كلها تشيعه حاملة إياه على أكتافها، أكثر من عشرة أميال والناس تحمله على أكتافها حتى مثواه الأخير، لم تستطع قوى الأمن ولا قوى الشرطة أن تمنع الناس من أن تحمل جثمان عبدالله السالم إلى مثواه الأخير.ولم يزل الناس كلما ذكروه شكروه وترحموا عليه كان لهم أباً وأخاً وصديقاً". «وفي الصباح عزاؤنا»رثا خالد سعود الزيد الشيخ عبدالله السالم، طيب الله ثراه، بقصيدة عنوانها "وفي الصباح عزاؤنا":نبأ أهاج دموعنا متمكناهتك القلوب وما أقال الألسنايا أيها الناعي الذي صدع المنىفي نعيه، وأثار جرحاً محزنايا أيها الناعي الذي سكب المنىبنفوسنا، وأذاب هما مزمنالو كنت تعلم من نعيت لزلزلتشفتاك واضطرب اللسان مبرهناماذا يقول الشعر فيه مؤبنافالشعر أحوج أن يكون مؤبنامات القريض على الشفاه وغادرتألفاظه حيرى، يشيعها الونىوضعوه في ملحوده معميةأواه لو جعلوا ثراه الأجفنـاقد كان عبدالله شعباً رائداًلله عبدالله شعباً يقتـنــىإن العزاء وفي الصباح عزاؤنايا مرحباً بك من أمير مجتنىقم يا أخا الشعب الكريم مكللابالغار واسلم لن تزال أميرنامن اسمك الوضاح نرسم مجدناوبشمس فجرك نستهل حياتناإنجازات عبدالله السالمعبدالله السالم أول ما تولى الحكم صنع ما لم يصنعه أحد من قبله في الحكم، حاول أن ينشر التعليم بكل وسيلة، فأمر وزارة الأشغال أن تقوم ببناء مدارس شتى في كل مناطق الكويت، من مدارس الأطفال إلى المدرسة الثانوية التي بُنيت في الشويخ والتي هي مقر لجامعة الكويت اليوم.تأسست في عهده - أيضاً - الأندية الرياضية، والأندية الاجتماعية يومئذ مثل نادي المعلمين، والنادي الثقافي القومي، والنادي الرياضي الأهلي، ونادي الجزيرة الرياضي إلى غير ذلك.أخذ ينفق الأموال عن سعة وعن سخاء وصنع أول ملجأ للعجزة ليلمهم في هذا الملجأ ولينفق على من لا وجه للإنفاق له.كان رحمه الله حاكماً يعرف كيف يسوس البلاد، ولا أقول كيف يسود البلاد، كان حاكماً يعرف كيف يسوس الناس، وكيف يرضي كل الأطراف دون أن يثير نقمة أحدٍ عليه من هذه الأطراف، وفتح أبواب الكويت على مصاريعها لكل من هَبَّ ودَبَّ أيضاً من البلاد العربية أو من غيرها من البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، فاستفاد كثير من الناس الذين وفدوا للعمل في الكويت، وعملت إجراءات الإقامة مبسطة في البلد؛ بل لم يكن هناك قوانين للإقامة، وتدفق الناس بالآلاف على البلد الذي بدأ يصبح بلداً ثرياً.رافقت حُكْمَه ظروف أخرى لكن استطاع أن يتغلب عليها، كانت إدارة الأمن العام ترى رأياً آخر غير رأيه الحكيم السديد، كانت ترى التشدد حكمة، وهو لم يكن يرى ذلك أبداً، لذلك كانت إدارة الأمن العام أحياناً تغلق الصحافة وتغلق الأندية، وإن كان ذلك على غير رغبة من الأمير الراحل عبدالله السالم، رحمه الله، لكنه استطاع أن يتغلب على هذه الظروف، وأن يتغلب على كل ما كان يضمره الانجليز له ولبلده ولأمته.واجه عبدالله السالم - رحمه الله - كثيراً من المشاكل داخل البلاد ومن خارج البلاد من جيرانه، ولكنه استطاع أن يتغلب عليها بحكمته.