كل ما فعله "التحالف الدولي" من عمليات عسكرية وتحشيد سياسي ضد "داعش" و"القاعدة" وباقي التنظيمات الإرهابية ذات الأسماء المتعددة التي لا حصر لها بدَّدَه بنيامين نتنياهو خلال ساعات، وهي الساعات التي أغلق فيها أبواب المسجد الأقصى في القدس الشريف ومنع خلالها المسلمين من أداء صلاتهم في هذا المكان الطاهر المقدس، الذي "عرج" منه الرسول الكريم محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى السماوات العليا، والذي لم تغلق أبوابه إلا خلال الاحتلال الإسرائيلي الغاشم في الخامس من يونيو عام 1967.

Ad

لا تنظيم "داعش" مهتمٌّ بفلسطين والقدس والأقصى، ولا "القاعدة"، ولا مَن لفَّ لفهما، ولكن ما قام به نتنياهو، ولا يزال يقوم به، يجعل المسلمين كلهم من ماليزيا وإندونيسيا في الشرق حتى تطوان في الغرب، ومن القوقاز في الشمال حتى جزيرة "سوقطرة" في الجنوب يجدون عذراً لكل هذه التنظيمات الإرهابية أنْ تفعل هذا الذي تفعله، حتى بما في ذلك قطع رؤوس الأبرياء الذين كل ذنبهم أنهم وقعوا بين أيدي عصابات أساءت للدين الإسلامي الحنيف بقتلها النفس التي حرَّم الله بدون أي حق.

هناك إجماع، تشارك فيه كل الدول التي انضوت في هذا التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، على أن اقتصار المواجهة مع الإرهاب على القصف والعمليات العسكرية لن يكون مجدياً، وأنَّه لا يمكن اقتلاع كل هذه التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها "داعش" و"القاعدة"، إلا بحرمانها البيئةَ الحاضنةَ وتعاطُفَ مَنْ من المسلمين معها، ولهذا فإن ما يعرفه حتى هذا الرئيس، المرتبك والمتردد، باراك أوباما هو أن إغلاق أبواب المسجد الأقصى أمام المسلمين بضع الساعات التي أُغلِق فيها قد بدَّدَ كل الجهود التي بُذلت، إن عسكرياً وسياسياً، وإنْ فكراً وثقافة لمواجهة هذا التطرف الذي بات يهدد ليس الشرق الأوسط وحده بل العالم بأسره.

يُفترَض أن كل الذين يعنيهم القضاء على الإرهاب بكل أسمائه ومسمياته يعرفون أن الأسوأ من الوحشية التي قطع بها "داعش" رقاب أناسٍ أبرياء، هو أن يرسل بنيامين نتنياهو أفراد الوحدة العسكرية المُخصَّصة لاغتيال الفلسطينيين وقتلهم والتخلص منهم ليقتلوا، بدم بارد، الشاب الفلسطيني معتز حجازي أمام أفراد عائلته وأمام أطفال منطقة "سلوان"، بدون لا محاكمة ولا سؤال ولا جواب، بتهمة محاولة اغتيال المتطرف اليهودي الحاخام يهودا غليك المتخصص في قيادة عصابات من المستوطنين للاعتداء على المقدسات الإسلامية.

يجب أن يدرك العالم كله، خصوصاً الولايات المتحدة ومعها الدول الغربية، أن ترك إسرائيل لتستمر في تحدي القرارات الدولية المتعلقة بفلسطين والشعب الفلسطيني سيخلق ألف "داعش" وألف "قاعدة" في هذه المنطقة، فالقدس هي ضمير العرب كلهم والعالم الإسلامي بأسره، ولذلك فإن عدم وضع حدٍّ لهذا الإرهاب الإسرائيلي الذي تجاوز كل الحدود سيجعل كل ما يجري الآن للقضاء على التطرف والتنظيمات الإرهابية مجرد محاولات عبثية.

قيل ولا يزال يُقال إن القضاء على المتطرفين والإرهابيين لا يكون بالقصف والسلاح فقط، بل باقتلاع الإرهاب من جذوره. والحقيقة أن جذور الإرهاب هي هذا الذي يفعله بنيامين نتنياهو، وهي ما دأبت إسرائيل على القيام به منذ نشأتها كدولة في هذه المنطقة في غفلة من الزمن وفي لحظة تاريخية مريضة حتى الآن.

اتجه العرب، لإنهاء هذا الصراع المحتدم في الشرق الأوسط الذي له انعاكاساته الخطيرة على هذه المنطقة وعلى العالم كله، اتجاهاً سلمياً تمثل في العديد من المبادرات ومشاريع الحلول المتلاحقة، وآخرها مبادرة ما قبل نحو عشرة أعوام، لكن إسرائيل أوصدت كل الأبواب أمام هذه المحاولات ووضعت اتفاقية كامب ديفيد واتفاقيات أوسلو واتفاقية وادي عربة في الدوائر المقفلة الخطيرة، بينما بقيت الولايات المتحدة تحمي كل هذا التطرف الإسرائيلي، وكل هذه الاعتداءات الإسرائيلية بما فيها العدوان الأخير على المسجد الأقصى وعلى غزة، بتعطيل مجلس الأمن الدولي ومنعه بـ"الفيتو" الأميركي الجاهز دائماً وأبداً من اتخاذ أي قرار حازم وحاسم ضد ما يقوم به الإسرائيليون من إرهاب أكثر وحشية من إرهاب "داعش" و"القاعدة" ضد الشعب الفلسطيني وضد المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين.