في ضوء التغيرات الدراماتيكية الأخيرة في تكلفة الطاقة قد نشهد نهاية النفط، وهو الذي إذا استمرت أسعاره متدنية لفترة طويلة بما يكفي فقد لا تتمكن من الارتفاع ثانية، ففي شهر يونيو من عام 2000 قال الشيخ زكي يماني وزير النفط السعودي الأسبق (1962– 1986): "بعد ثلاثين سنة من الآن سوف تتوافر كمية ضخمة من النفط، ومن دون وجود مشترين، وسوف يظل النفط في باطن الأرض، وقد انتهى العصر الحجري ليس لأننا نفتقر إلى حجارة، وسوف ينتهي عصر النفط ليس لأننا نفتقر إلى نفط".

Ad

كيف ذلك؟ أنا أسمعك تسأل. كيف وصلنا الى نهاية "عصرنا الحجري" الحديث؟

أنا أقول: نعم. ولننظر إلى السبب.

من وجهة اقتصادية بلغت طاقة العالم وتجاوزت نقطة توازن السعر بين وسطين متنافسين هما: الوقود الأحفوري والطاقة الشمسية، وهذا يعني تغير انشغالنا، وسوف يتغير الوضع بسرعة الآن، فعلى سبيل المثال بمجرد أن أصبحت الهواتف النقالة رخيصة ومتوافرة بصورة كافية قضت على سوق الهواتف الثابتة خلال سنوات، وكانت الخيار الأفضل من الناحيتين الفنية والاقتصادية.

فالطاقة من الوقود الأحفوري كانت رخيصة تاريخياً، وقد مكن ذلك من تحقيق الطفرة الاقتصادية الكبيرة في المئة سنة الأخيرة: الانفجار السكاني الذي ارتفع من 1.7 مليار نسمة في 1900 إلى أكثر من 7 مليارت نسمة الآن، والناتج المحلي الإجمالي من 2.7 تريليون دولار إلى أكثر من 75 تريليون دولار في الفترة ذاتها تقريباً، وارتفع دخل الفرد من 1600 دولار إلى 10000 دولار، والثورة الخضراء (إنتاج الطعام) والثورة التقنية (تطوير الحواسيب)، ثم ثورة الربط (الهاتف النقال والإنترنت) وثورة المعرفة الآن ( بي 2 بي وشبكات التواصل الاجتماعي )، لقد تغذت هذه كلها بالطاقة الرخيصة، وطرحت هذه الطاقة الرخيصة بديلها الخاص: الطاقة الشمسية.

وتظهر الجداول البيانية أسعار الطاقة الأحفورية المتدنية، كما تظهر ارتفاع أسعار النفط الخام إلى ما بين 10 دولارات و20 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، والتي سببت الهزات النفطية في سبعينيات القرن الماضي، وقد حاولت الطاقة المتجددة، وخصوصا الرياح والشمس تحقيق ارتفاع في هذا الوقت، لكن تكلفتها التقنية العالية كانت كبيرة حيث فقدنا عندما هبط سعر النفط في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي الاهتمام بالبدائل التي توفر لنا الدفء ووسائل الطبخ والإنارة، وكان استخدام الوقود الأحفوري الحل الاقتصادي المقبول، واستمر ذلك حتى الوقت الراهن، وقد هبطت تكلفة التقنية الشمسية وخصوصا في السنوات الست الأخيرة، حيث انخفضت من 220 دولاراً للمليون وحدة حرارية بريطانية إلى المستوى ذاته لخام برنت والغاز الطبيعي المسال عند نحو 15 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في الوقت الراهن، ولا تزال في انخفاض.

وإن أسعار الوقود الأحفوري تسير في الاتجاه الخطأ (صعوداً) وأسعار الطاقة الشمسية في المسار الصحيح (هبوطاً) حسب ما يؤكد الاقتصاديون، فما الذي يحدث حقاً بالنسبة الى هبوط أسعار النفط؟ وهل تحاول المملكة العربية السعودية استبدال إمدادات النفط الأميركية عبر إغلاق استثمارات النفط العالية؟ وهل ثمة خطوات ترمي إلى زعزعة قاعدة القوة الشرق أوسطية من خلال خفض عوائد إيران بسبب دعمها للنظام السوري، والأمور الأخرى ذات الصلة؟ وهل من خطط تهدف الى تدمير أصول الميزانية الروسية وإنهاء هيمنتها على شرق أوروبا؟ نعم. قد يكون ذلك كله صحيحاً، أو بعضه في وقت الراهن.

ولكن هذه العوامل لا تزال صغيرة مقارنة بالتأثير الوشيك للاقتصاد وطاقة الشمس الثابتة التي لا تتغير، وأنا لا أظن أن لأسعار الطاقة الشمسية أي تأثير مباشر على الطلب على النفط الآن، ولكنني أعتقد أن ذلك سوف يحدث عما قريب تماماً، وقد نجد أن سعر النفط لن يرتفع ثانية– وإذا ارتفع– فإن ذلك لن يستمر لفترة طويلة قبل أن يهبط الطلب للمرة الأخيرة، وعلينا أن نتذكر أن أكثر من 40 في المئة من استهلاك النفط الخام يتم بسبب سيارات الركاب، وتلك حقيقة مهمة عندما ندرس التكلفة المتدنية لتوليد الطاقة من الشمس.

وبدافع من السعي إلى التوفير سوف يتوجه المستهلكون إلى حلول مدعومة بطاقة متدنية التكلفة، وسوف ينشدونها عبر دعم المصنعين لمطالبهم، وهكذا فإن المسألة هي مجرد توافر الخيارات، والخيارات من أجل خفض تكلفة الطاقة هي الطاقة الكهربائية التي يتم توليدها محلياً للاستهلاك الداخلي وللسيارات الكهربائية للنقل، وهي أرخص بنسبة 90 في المئة في الوقود والصيانة من سيارات البنزين (مؤسسة روكي مارتن).

تبدو تلك الخيارات جاهزة الآن، ويمكن شراء السيارات الكهربائية اليوم من العديد من مصنعي المركبات الرئيسيين حول العالم، ومن بينها، على سبيل المثال، شركات "بي إم دبليو، وشيفروليه، وسيتروين، وفيات، وفورد، وجنرال موتورز، وهوندا، وكيا، وماهندرا، ومرسيدس بنز، وميتسوبيشي، ونيسان، ورينو، وتسلا"، وفي حقيقة الأمر فمن المتوقع أن تنتهي شركة "بي إم دبليو" من محركات الاحتراق الداخلي خلال 10 سنوات (بارون فندز– 14 سبتمبر 2014).

وهكذا فإن ذلك يعني أنه في المستقبل القريب جداً سوف يتبخر نحو نصف طلبنا على النفط الخام، وسوف يتحقق تنبؤ الشيخ زكي اليماني، وفي ما يتعلق بصورة السيارات الكهربائية فإن موديل سيارة تسلا إس الكهربائية بالكامل فاز في سنة 2013 بلقب سيارة العام (موتور ترند) بالنسبة الى كل أنواع السيارات، وليس السيارات الكهربائية فقط، واعتبرت أنها أفضل سيارة تم اختبارها على الإطلاق.

إن ما يسبب استمرار هبوط تكلفة الطاقة الشمسية هو المشاريع الشمسية الضخمة، واستمرار التجهيزات الكهربائية الضوئية على مستوى واسع، وعلى سبيل المثال فإن الحكومة الهندية قد أوضحت نواياها في الحصول على 100 غيغاواط من طاقة التوليد بحلول سنة 2022، كما أن الصين تخطط للحصول على 100 غيغاواط بحلول سنة 2020– ويعادل ذلك 200 محطة طاقة نووية، وسوف تكون الأسعار عند نحو 0.06 لكل كيلوواط ساعي– وهي مساوية لتكلفة الطاقة الحالية (النووية والفحم والغاز الطبيعي المسال).

هل يستمر هبوط أسعار النفط؟ ربما ليس بعد حتى الآن، يتوقف ذلك على تقبل السيارات الكهربائية، وهي مسألة تتعلق بتوافرها، ولكن أسعار النفط المتدنية سوف تستمر عما قريب، وخيارنا في هذا التحول في ميدان الطاقة هو أن نكون قادة أو أن ندع القيادة للآخرين.     

* أسترالي عاش في الشرق الأوسط سبع سنوات، ولديه معرفة في أسواق الطاقة، وهو رئيس مجموعة ميسي الاستشارية في العمل التجاري والاستثمار التي تعمل في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وروسيا.