يُفترَض أن هذه العاصفة الدامية التي أثارها أكراد تركيا لم تفاجئ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإعلانه التصميمَ على إسقاط نظام بشار الأسد، بكل وضوح وصراحة وبدون أي مواربة، أرعب إيران وروسيا أكثر مما أرعب الرئيس السوري وأركان حكمه، وجعلهما تلجآن إلى احتياطيّيهما الجاهز وهو حزب العمال الكردستاني- التركي الـ"P.K.K" المعروف بعلاقاته الأمنية بالاتحاد السوفياتي السابق، وبعلاقاته اللاحقة بالأجهزة الإيرانية بعد قبض السلطات التركية على زعيمه التاريخي عبدالله أوجلان وإيداعه زنزانة انفرادية في جزيرة "إمرالي" القريبة من إسطنبول منذ نهايات تسعينيات القرن الماضي.

Ad

ويُفترَض أيضاً أن رجب طيب أردوغان يعرف أنَّ حزب أوجلان، خلافاً لما كان متوقعاً، أعاد علاقاته بأجهزة النظام السوري مباشرةً بعد انطلاق الثورة الحالية قبل نحو أربعة أعوام، وأن حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) برئاسة صالح مسلم محمد هو النسخة السورية لهذا الحزب، وبالتالي فقد كان عليه، أي الرئيس التركي، أن يكون شديد الحذر في التعامل مع مشكلة عين العرب (كوباني) التي تحولت، خلال أيامٍ قليلة، إلى ما يشبه الجرح الملتهب في الخاصرة التركية.

ربما اعتقد أردوغان، كآخرين كُثر، أن الـ"P.K.K"، حزب العمال الكردستاني- التركي، سيؤجِّل خلافاته مع الحكومة التركية، وأنه سيزداد تمسكاً باتفاق "ديار بكر" الشهير الذي شارك في رعايته الزعيم الكردي مسعود برزاني على أساس أن المواجهة مع "داعش" لها الأولوية، وأنه من الضروري تأجيل التعارض إلى ما بعد حسم التناقض، لكن ثبت، بسرعة، أنَّ اعتقاد الرئيس التركي كان خاطئاً، وأن هذا الحزب كان ينتظر هذه اللحظة ليستغل الظروف المستجدة ويمنع تركيا من التطلع خارج حدودها وإشغالها بأوضاعها الداخلية الملتهبة.

والواضح أن الأمور لن تقف عند هذه الحدود التي وصلت إليها، فهذا الذي بادر إليه الأكراد، بهذه السرعة، هو هجوم معاكس من إيران وروسيا، وبالطبع من نظام بشار الأسد، ردَّاً على مطالبة أردوغان بمناطق عازلة داخل الأراضي السورية، ورداً على إعلانه ضرورةَ إسقاط النظام السوري، وهذا يقتضي اصطفاف بعض العرب، إنْ لم يكن كلهم، إلى جانب تركيا في هذه المعركة الحاسمة المفتوحة، وذلك لأن هذه المستجدات أوضحت أن للصراع في هذه المنطقة طرفين: التحالف الإيراني- الروسي ومعه دمشق وكل التنظيمات والشراذم والميليشيات الطائفية والمذهبية، والمجموعة العربية التي أخذت العبرة مما يجري في اليمن والعراق وسورية، والتي أدركت أن دولة الولي الفقيه تسعى إلى التمدد في هذه المنطقة كلها لإحياء "أمجاد" إمبراطورية فارس القديمة.

ولذلك، بوضوح وصراحة، فإنه على مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات ومملكة البحرين والكويت تأجيل الخلاف مع أردوغان، بالنسبة إلى انحيازه غير المبرر للإخوان المسلمين، والوقوف إلى جانبه في هذه المعركة المصيرية التي يخوضها، والتي سيكون انتصاره فيها انتصاراً لكل الذين يرفضون التمدد الإيراني في هذه المنطقة، وأمَّا عدم انتصاره فسيعني تثبيت نظام بشار الأسد، وسيعني اكتساح إيران لهذه المنطقة كلها، والمثل يقول :"أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"!