يؤرقني كثيراً ما جرى لفيلم «حماتي بتحبني»، الذي احتل المرتبة الرابعة في موسم عيد الأضحى المبارك بإيرادات بلغت مليوناً ومئة ألف جنيه مصري؛ فالفيلم الذي كتبه نادر صلاح الدين وأخرجه أكرم فريد لم يكن بالسوء الذي يجعله يترنح بالصورة التي رأيناها، ويعاني المصير المؤسف الذي انتهى إليه. بل يمكن القول إن معالجته الدرامية اتسمت بالطرافة، وبدت أقرب إلى التنويعة العصرية لظاهرة «الحماة» و{الكنّة» (أي زوجة الابن)، تلك الظاهرة الاجتماعيَّة ذات التأثير الكبير على العلاقة الزوجية، والسبب الرئيس غالباً في توتُّر العلاقة بين الزوجين!

Ad

اختلفت الدكتورة رأفت رجائي (ميرفت أمين)، استشارية الطب النفسي وعضو الكلية الملكية البريطانية، عن «الحماة»  التقليدية التي جسدتها ماري منيب في فيلم «حماتي قنبلة ذرية» (1951)، تأليف أبو السعود الإبياري وإخراج حلمي رفلة، ثم عادت وكررتها في فيلم «حماتي ملاك» (1959) سيناريو وحوار عبد الفتاح السيد وإخراج عيسى كرامة، ووجه لها الفيلم التحية عبر اختيار عرض مقطع من بطولتها؛ فقد اكتوت «رأفت» بنار زوجها الخائن «زير النساء»، ولا تريد لابنتها «منى» (إيمان العاصي) أن تكرر تجربتها المريرة، ولفرط خوفها المرضي أصبحت كالدبة التي قتلت صاحبها، فتدخلت في حياة ابنتها، ولم تدع فرصة من دون استغلالها للإيقاع بينها وبين زوجها د. «شريف مرتضى» (حمادة هلال) الأستاذ المساعد واختصاصي التجميل الشهير، الذي لجأ إليها يوماً لتعالجه من نزقه وطيشه وعلاقاته النسائية المتعددة، ولما فشلت في إجهاض زواجهما أحالت حياتهما إلى جحيم!

على عكس المبالغة في تقديم مغامرات ونزوات د. «شريف»، وتصوير عيادته وكأنها «ماخور»، ثم الجرأة الواضحة في التأكيد على لسان «الراوي» أن عمليات التجميل أصبحت مجرد ستار لارتكاب الأعمال المنافية للآداب، اتسمت مواقف الفيلم بالتلقائية، ولم تجنح إلى المفارقات «الميلودرامية» المستهلكة؛ خصوصاً لحظة التعارف بين البطل واستشاري الطب النفسي، وأيضاً المصادفة الواقعية التي جمعت بينه وزميلة الدراسة الجامعية التي أحبها وطهرته من آثامه، ولما تقدَّم يطلب يدها اكتشف أنها ابنة الطبيبة التي اطمأن إليها ووثق بها وأفضى إليها بأسراره؛ فالسلاسة والمنطق عنصران حيويان في السيناريو، فضلاً عن الأسلوب الراقي الذي اعتمده أكرم فريد في إخراج الفيلم؛ فلا تهتك ولا ابتذال ولا ترخص، رغم أن الأجواء العامة تتيح ذلك، والسيطرة على أداء الممثلين واضحة، بدليل الإفيهات الطريفة للنجم سمير غانم، وتماهيه مع الشخصية الدرامية حتى تكاد تتصوَّر أنهما كيان واحد، إضافة إلى تألق ميرفت أمين في أدائها للشخصية التي أعادتها إلى الشاشة الكبيرة، بعد سنوات من الغياب، منذ مشاركتها في فيلم «مرجان أحمد مرجان» (2007)، باستثناء مشهد قيامها بإشهار السلاح الأبيض ثم الناري في وجه زوج ابنها؛ لأنه يتناقض وثقافة ووعي الطبيبة، وخلفيتها العلمية بالإضافة إلى مكانتها المجتمعية!

في المقابل، لم يُضف الكاتب نادر صلاح الدين جديداً عندما استلهم شخصية سعاد حسني في «بئر الحرمان»، ولم تكن إيمان العاصي مقنعة في تجسيدها لشخصية الزوجة التي أصيبت بـ «شيزوفرينيا»، بسبب نزوات زوجها، ورغبتها في الهروب من واقعها البائس، وبدا أن هذا الجزء بأكمله غير مدروس، وغير مقنع، على عكس النهاية السعيدة التي أيقنت فيها «الحماة» أنها معقدة، ومشوهة من الداخل، واقتنعت أنها كادت تهدم حياة ابنتها، وتهدد استقرارها، خصوصاً أنها لم تجد من يقف معها في أزمتها، بعد سقوطها، سوى زوج ابنتها، الذي ظلمته كثيراً عندما قارنت بينه وزوجها السابق!

تكتسب تجربة فيلم «حماتي بتحبني»، الذي أنتجه أحمد السبكي، أهمية بالغة بعد مقارنتها بفيلم «جيم أوفر»، الذي أنتجه شقيقه محمد السبكي عام 2012، وتناول أيضاً ظاهرة «الحماة»، التي تتسبب في إفساد العلاقات بين الزوجين؛ فالمبالغات التي اتسم بها أداء يسرا، وهي تؤدي دور «الحماة» في «جيم أوفر»، تراجعت كثيراً مقارنة بالأداء الدقيق الذي يعكس خبرة ميرفت أمين، كما بدا حمادة هلال أكثر إقناعاً ومصداقية من محمد نور، الذي جسد دور الابن الذي يعاني سطوة وغطرسة أمه وقسوتها في معاملتها لزوجته (مي عز الدين) بالإضافة إلى غياب المبررات المنطقية عن سيناريو «جيم أوفر»، الذي كتبه محمد القواشي ومصطفى عمار، والإفراط في المبالغات الحركية في الفيلم الذي أخرجه أحمد البدري بينما اجتهد الكاتب نادر صلاح والمخرج أكرم فريد، ونجحا في تقديم فيلم خفيف الظل أدت فيه كاميرا مدير التصوير عمر فتحي ومونتاج عمرو عاصم وديكور كمال مجدي دوراً في النتيجة الإيجابية التي انتهى إليها، على عكس موسيقى عمرو إسماعيل، التي جاءت تقريرية، ومشهد مرور سبع سنوات على عودة الوئام، الذي كاد يصبح ما بعد الذروة، لولا تأكيده أن الزوج عاد إلى سيرته الأولى!