الحد الأدنى للأجور وتبعاته الأخلاقية

نشر في 02-05-2015
آخر تحديث 02-05-2015 | 00:01
لا يعني عمل القطاع الخاص على خلق وظائف أن يكون ذلك هو الهدف من وجوده، والتفكير بعكس ذلك يعني قبول أن يقوم نجم سينمائي يكسب 10 ملايين دولار في السنة بتشغيل العدد ذاته من الموظفين الذين تقوم شركة تكسب 10 ملايين دولار بتوظيفهم كل سنة.
 بلومبرغ • لنفترض ان لدى شركة غريت بيغ كو مركز مبيعات تجزئة في كارترفيل، وأنها تدفع الى موظفيها ما يزيد قليلاً على الحد الأدنى للأجور، ثم تضاعف ذلك الحد الأدنى فجأة، فهل إذا قررت الشركة إغلاق متجرها والانتقال الى مكان آخر، تكون قد ارتكبت خطأ أخلاقياً بحق موظفيها؟

نعم، أنا أعلم أنه من الواضح أن الشركة المذكورة تدار من قبل رأسماليين جشعين من جناح اليمين يتمنون أن يدفعوا الى موظفيهم مبالغ ضئيلة جداً لو كان ذلك في وسعهم، ولكن هذا ليس محور سؤالي، فالسؤال هو: هل شركة غريت بيغ كو ملزمة أخلاقياً بالبقاء في عملها في كارترفيل ودفع الأجور الأعلى الى موظفيها وعمالها؟

العديد من الناس سوف يقولون نعم – يتعين عليها ذلك، وعلى أي حال فإن السؤال الأخلاقي هذا قد تحول الى مسألة تنطوي على الكثير من التعقيد. وفي مجال علم الأخلاق وآداب المهنة يوجد تداخل بين الحقوق والواجبات، ومن هذا المنطلق هناك واجب أخلاقي على تلك الشركة بالنسبة الى شخص يملك حقاً ضدها فقط، وإذا كان على الشركة التزام أخلاقي للاستمرار في أعمالها ودفع الأجر الجديد فذلك لأن للموظفين حقاً أخلاقياً في تلك الوظائف وفي مقابل أجر معين.

والآن لنضع السؤال في إطار مختلف، إذا كنت تظن، مثل العديد من الناس، أن شركة غريت بيغ كو ترتكب خطأ أخلاقياً من خلال إغلاق متجرها في كارترفيل فهل سيكون هذا شعورك نفسه إزاء عائلة تقرر أنها لم تعد قادرة على دفع أجر عامل تشذيب المرج وتقوم بتسليم المفاتيح اليه للتصرف كما يحب؟

وقد أثار هذا التكهن أحد المواقع الخاصة بالاقتصادي ريان ديكر من جامعة ماريلاند، وتصادف أن قرأت هذا الموضوع عندما علق عليه الاقتصادي تايلر أخيراً تحت عنوان "مجادلات مبسطة تنطوي على حقيقة أساسية"، وتستحق مجادلة ديكر الكثير من الاهتمام، وفي ما يلي الجانب الجوهري من هذه المسألة:

تقوم شركة وولمارت بتشغيل مليون ومئتي ألف موظف في الولايات المتحدة، وهو أكثر من أي عدد تقوم شركة خاصة بتشغيله، ولماذا تلتزم هذه الشركة بدفع أجور عالية الى هذا العدد الكبير من الموظفين بقدر يفوق الغير؟ وهل ان قرار وولمارت بتوفير فرص عمل الى اولئك الأشخاص يلزمها بدفع أجر أعلى من مستوى معين؟

إن السبب الذي يجعل هذه قضية معقدة هو أننا لا نقوم بتشغيل أحد، وبالتالي نحن لا ندفع إلى أي شخص أي مبلغ من المال.

يعتمد نقاد وولمارت مقياسين أخلاقيين أولهما دفع أجور عالية إلى 1.2 مليون موظف، أما الثاني فيمكن أن يتحقق من خلال عدم دفع أي أجر على الاطلاق، وقد اختار معظمنا العيش وفقاً للمقياس الثاني، ومن موقفنا الأخلاقي الرفيع يمكننا انتقاد وولمارت لعدم تلبيتها للمقياس الأول.

وإذا كان ديكر على حق، فإما أن غريت بيغ كو لم تنتهك أي واجب أخلاقي إزاء موظفيها عندما تقرر مغادرة كارترفيل أو أن العائلة التي توقفت عن الدفع الى عامل تشذيب المرج تنتهك الواجب الأخلاقي نفسه، ولنضع الصورة في شكل معاكس، وإذا كانت تلك العائلة تستطيع التصرف على ذلك الشكل فإن شركة غريت بيغ كو تستطيع عمل ذلك أيضاً.

هل كان ديكر محقا؟ تتمثل إحدى طرق النظر إلى هذه المسألة على النحو التالي: عندما تقوم مجموعة من الناس بحشد مواردها من أجل تحقيق الحد الأقصى من الفائدة هل يعتمد التزامها الأخلاقي على ما إذا كان اسمها شركة أو عائلة؟ وهنا يتعين أن نلاحظ أننا نتحدث عن التزام أخلاقي ويتمحور السؤال حول الصواب والخطأ.

وفي أغلب الأحيان كان يتم التأكيد على أن على "الشركة" واجبها الخاص في ما يتعلق بالتوظيف وهو اقتراح يميز بصورة ناجحة بين الشركة والعائلة، ولكنه ليس مقنعاً على أي حال، وحقيقة فإن عمل القطاع الخاص على خلق وظائف لا يعني أن يكون ذلك هو الهدف من وراء وجوده، والتفكير بعكس ذلك يعني قبول أن يقوم نجم سينمائي يكسب 10 ملايين دولار في السنة بتشغيل العدد ذاته من الموظفين الذين تقوم شركة تكسب 10 ملايين دولار بتوظيفهم في كل سنة، ثم إن على الأفراد من ذوي الدخل العالي التصرف بسلوك أخلاقي أرفع لأنهم قد لا يتحملون تكلفة عالية.

أما النظرية البديلة الرئيسية، وهي تنطوي على قدر كبير من الانتشار في هذه الأيام، فتقول إن الشركات الكبيرة قد أفسدت اللعبة، ومن هذا المنطق ينطلق واجبها الأخلاقي ليس من حجمها الضخم بل من نجاحها في التشغيل.

وعلى أي حال فإن هذه النظرية لا يمكن أن تطبق على كل قطاع صناعي في الوقت ذاته، وحتى إذا ظننا أن شركة غريت بيغ كو قد أفسدت اللعبة وأنها تحقق أرباحاً اضافية فإن الأقل ترجيحاً أن ينطبق الشيء ذاته على شركة بيغ بيرغر كو. والأكثر من ذلك أن الأجور في المناطق التي يمكن أن نشير فيها الى سعي واسع في مجال الاستئجار تكون عالية في الأساس. ولنأخذ التمويل كمثل – إن غريت بيغ بنك لن يغلق أبوابه لأنه لن يتأثر الى حد كبير بالزيادة في الحد الأدنى للأجور.

وهكذا فإن الجواب على السؤال الذي طرحته هنا هو – كما يبدو – أنه في معظم حالات يكون الالتزام الأخلاقي هو نفسه بالنسبة الى العائلة وإلى غريت بيغ كو في آن معاً. وأنا لا أزعم وجود الالتزام بل في حال وجوده سيكون هو نفسه في كلتا الحالتين، وإذا تصرفت غريت بيغ كو بصورة غير أخلاقية من خلال إغلاق متجرها في كارترفيل وخفض عدد موظفيها الى الصفر يكون تصرفها مماثلاً لتصرف العائلة في طرد عامل تشذيب المرج.

هذه ليست مجادلة ضد أي مستوى معين من الحد الأدنى للأجور، ولكنني أظن أن من الأهمية بمكان أن نوضح المجادلات الأخلاقية حول ما تقوم به الشركات من حيث النتيجة، ويمكن في هذا الصدد الإشارة الى النقاط التالية:

1 – إذا كنت تظن أن على غريت بيغ كو واجبها الأخلاقي نحو كارترفيل نفسها فإن جوهر التحليل لن يتغير، ولكن الجانب الاجمالي للقضية سوف يكون أضعف.

2 – صحيح أن العائلة قد تنجح أيضاً في مسعى الاستئجار، إذا كانت – على سبيل المثال – تملك مقرها وتخفض فوائد الرهن العقاري، ولكن لنفترض العكس.

3 – السعي إلى الاستئجار في التمويل، على ما فيه من سوء، يصعب في أغلب الأحيان تحديده.

Stephen L. Carter

back to top