أحداثٌ بعينها تغيّر وجه العالم، ومن المؤكد أن الاعتداء على أسبوعية «شارلي إيبدو» الفرنسية ومقتل 12 شخصاً، يوم الأربعاء السابع من يناير الجاري، سيكون تاريخاً حاضراً في ذاكرة الزمن. فعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، وما قبل «شارلي إيبدو» لن يكون كما بعده.
والمتضرر الأكبر مما جرى، هما الإسلام والمسلمون، ناهيك عن حقيقة الإسلام، وموقف المسلمين حيال العنف والقتل البشع. كما أن اليمين الأوروبي المتطرف صار مشحوناً وعنصرياً ضد أي إنسان بملامح شرق أوسطية، وضد أي امرأة ترتدي حجاباً أو رجل ملتح، وأكاد أجزم بأن حوادث عنصرية كثيرة ستجري في أوروبا وربما أماكن أخرى من العالم، وسيروح ضحيتها أبرياء ليس لشيء إلا لأنهم يوحون للآخر بأنهم عرب أو مسلمون.حادثة شارلي إيبدو، تشير بوضوح إلى أن العنف الوحشي أعمى لايميّز بين جنسية وأخرى ولابين ديانة وأخرى، فإصرار المجرمَين «كواشي» على قتل الشرطي «أحمد المرابط» وهو مصاب ومطروح أرضاً بإطلاق رصاصة حقيرة على رأسه، وباستهتار واضح أقرب إلى اللعب، أمر مقزّز يدعو إلى التأمل في كامل مجريات الحادثة، بدءاً بفكرة الاعتداء مروراً بتنفيذها وانتهاء بما آلت إليه، من توحّد فرنسا وأوروبا والعالم في وجه العنف والوحشية.أصوات كثيرة انطلقت بغية إعادة طرح فكرة مدى قدرة الثقافة والأدب على الوقوف في وجه العنف، وقدرة الكلمة على الوقوف في وجه الرصاصة، وقدرة الكتاب على التصدي لمجرم.ومؤكد أن المسيرة البشرية تقول بما لا يدع مجالاً للشك، إن الفكر والثقافة هما الأبقى، وإنهما قادران على محاربة الجهل، وهذا الأخير، هو المسبب الأساس لفكر العنف والوحشية.ليس من إنسان يُولد مجرماً، بل أن ظروف الحياة التي يعيشها، وبيئته التي يترعرع فيها، تطبع سلوكه بطابعها، ومن المؤكد أن التعليم الذي يناله والأفكار التي يتشبع بها، تتحكم في نوازعه وقناعاته. لذا فإن العيش في مجاميع منفية وفي ظروف حياتية قاسية ووسط عزل اجتماعي وأفكار عنصرية، يدفع بالشاب والفتاة إلى البحث عن وسيلة للانتقام من المجتمع، ولقد وجدت الحركات الإرهابية المتطرفة ضالتها في هؤلاء، وصار تجنيدهم أمراً أساسياً في برامجها، لذا فإن الفكر والثقافة الإنسانيين، وتحسين المستوى المعيشي والبعد عن التفرقة العنصرية، هي المبادئ الأساسية في ابتعاد العالم عن العنف الأسود الذي صار زاداً لحوادث اليوم البشري في كل مكان.أقطار الوطن العربي عاشت ردحاً من الزمن تحت قبضة أنظمة تسلطية دكتاتورية، ثم تحولت إلى الانتفاضات الشعبية، ودخل بعضها حروباً أهلية طاحنة، تعبِّئ ليل نهار بعض أبنائها بفكرة الاستشهاد وتفجير أنفسهم في سبيل نيل الشهادة، ودخولهم الجنة، وتمتعهم بحياة أبدية بين حور العين، وعطايا الله التي لا تنفذ.كل هذا الأفكار، في موازاة بؤس العيش، قد تكون في المجمل سبباً كافياً لغياب عقل البعض وإقدامهم على عمليات انتحارية لا إنسانية لا تفرق بين طفل وشيخ، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين مسلم وغير مسلم. العنف لاهوية له، إنما هو لايعرف إلا القتل وسيلة لبلوغ مناه.العالم اليوم يعيش وصلاً بين أبنائه لم يسبق له مثيل، لذا فإن الفكر والأدب والثقافة في منطقتنا العربية خصوصاً، وفي مختلف دول العالم عموماً، مدعوّة كلها أكثر من أي وقت إلى أن تقدم مادة إبداعية إنسانية النزعة تعري الظلم والعدوان، وتُعلي من شأن الحرية والديمقراطية والعدالة، وتفتح أعين القراء على أثر العنف المدمّر.كما أن شركات الإنتاج السينمائي وتأتي «هوليوود» في المقدمة، مدعوّة بشكل كبير أيضاً إلى الكف عن تقديم أفلام وحشية كريهة تزوق العنف وكأنه الحياة بعينها.
توابل - ثقافات
العنف والفكر والثقافة
14-01-2015