لا تقل «لن تتكرر أبداً» مجدداً

نشر في 05-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 05-05-2015 | 00:01
 ريل كلير لم يقرر رؤساء الدول الأوروبيون الاجتماع والبحث عن حل للكارثة المتواصلة، إلا بعد هلاك مئات اللاجئين في البحر الأبيض المتوسط، ولكن من المؤسف أن الأفكار المطروحة على الطاولة لا تبدأ حتى بالحد من دفق اللاجئين، بما أنها كلها لا تعالج أساس المشكلة: الصراعات الأهلية والفقر في إفريقيا.

يتدفق معظم اللاجئين، الذين يحاولون الهرب إلى بر الأمان في أوروبا، من سورية التي تمزقها الحرب، أو يكونون من الأفارقة الذين يعبرون الفوضى في ليبيا وهم في طريقهم إلى القارة الأوروبية، صحيح أن عدداً كبيراً من السوريين يسعون إلى بلوغ أوروبا عبر تركيا، إلا أن عدداً متزايداً يسافر إلى الساحل الليبي عبر مصر بغية العثور على مهربين يساعدونهم على الصعود على متن مراكب متداعية، ولا شك أنهم يدفعون مبالغ كبيرة من المال لقاء ذلك.

بعد موت مئات اللاجئين قبل أيام عندما غرق مركبهم، وإظهار شريط فيديو حجم هذه المآسي، تحرك السياسون الأوروبيون، فاقترحت الموفوضية الأوروبية خطة من عشر نقاط تتلخص بتحسين عمليات البحث والإنقاذ والاكتفاء بما كانت تقوم به من قبل.

رُفضت إحدى النظريات رفضاً قاطعاً: لا يحفز الحد من عمليات الإنقاذ البحرية- وهذا ما حدث عندما علقت أمم الاتحاد الأوروبي دعمها لعملية "بحرنا" الإيطالية- اللاجئين على البقاء على الشواطئ الإفريقية، فسبق أن حاججت بعض الحكومات أن إجراء السفن الأوروبية عمليات بحث وإنقاذ ناشطة يشجع اللاجئين على محاولة عبور البحر الأبيض المتوسط.

على الاتحاد الأوروبي بالتأكيد أن يعزز عمليات إنقاذ الناس الواقعين في مأزق والتوصل إلى طرق لتوزيعهم بالتساوي بين دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء، ولكن على أوروبا أيضاً أن تسعى إلى نشر الاستقرار في ليبيا.

يذكّر الوضع الراهن في ليبيا بلبنان خلال الحرب الأهلية، فتحاول مجموعات عدة في آن واحد السيطرة على البلد، وما تبقى من الحكومة الوطنية ضعيف جداً، كذلك انهارت الأجهزة الحكومية، مثل حراس الحدود والجمارك، وفي هذا الفراغ الفوضوي يتمتع مهربو البشر بالحرية التي يحتاجون إليها لسلب اللاجئين اليائسين مالهم وأحياناً كثيرة حياتهم.

بالإضافة إلى ذلك، يمهد الفراغ الطريق أمام بروز مجموعات إسلامية فاشية مثل "داعش"، فيميل الفرع الليبي من "داعش"، حسبما يصف نفسه، إلى الانغماس في ذبح الأبرياء، لكن ما يقوم به هو نوع من المجازر شهدته أوروبا آخر مرة خلال الحرب العالمية الثانية، حين قامت فرق الإبادة النازية بقتل كل مَن اعتبرتهم كائنات أدنى.

عندما انتهت الحرب وتمكن العالم من رؤية الحقائق عن الفظائع التي ارتُكبت داخل الرايخ الثالث، قال الأوروبيون: لن تتكرر أبداً. ثم أتت عمليات القتل الجماعي في الحرب الأهلية اليوغوسلافية، التي لم يتمكن الأوروبيون من وقفها من دون مساعدة الولايات المتحدة، وبعد تلك الحرب، قال الأوروبيون: لن تتكرر أبداً، ثم أتت رواندا، وبعدها قالت أوروبا مرة أخرى: لن تتكرر أبداً.

قبل بضع سنوات، أطاح الأوروبيون والأميركيون بالحكام المستبد معمر القذافي، واقترف الأوروبيون الخطأ ذاته الذي اتهموا الأميركيين بارتكابه بعد الإطاحة بصدام حسين في العراق عام 2003: إهمال المشاركة في عملية إعادة بناء سليمة للأمة، وعدم امتلاك استراتيجية ملائمة لذلك، وبينما انحدرت ليبيا اليوم نحو الحرب الأهلية، تحولت إلى بوابة إلى أوروبا لا أمام اللاجئين فحسب، بل إرهابيي "داعش" أيضاً.

بات من الضروري اليوم مواجهة الأخطاء الأوروبية وكبح اللجام في ليبيا، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يتعاون مع الأمم المتحدة بغية تشكيل قوة كبيرة لحفظ السلام تتمتع بتفويض قوي، والعودة إلى ليبيا لإرساء الاستقرار، والفصل بين القوات المتحاربة، ونزع سلاحها، بالقوة إن دعت الحاجة. ومن الضروري بعد ذلك تنظيم مؤتمر مع الفصائل وإقامة جمهورية فدرالية ديمقراطية تعيد دوريات الحدود وبسط الأمن وسلطة القانون.

لن تكون هذه مهمة سهلة، وستكلف المال والأرواح، إلا أنها أفضل بكثير من خطة محاولة مسح الأرضية، في حين أن الماء ما زال يتدفق من حنفية مفتوحة.

* كاج ليرز | Kaj Leers

back to top