تناولت في مقال الأحد الماضي ما قاله المستشار الهضيبي في اجتماع اللجنة التشريعية بمجلس الشيوخ المصري سنة 1948 بأنه يرفض إبداء رأيه في أي نص من نصوص القانون المدني أو أي قانون وضعي، وأن صواب وخطأ هذا القانون سيان عنده، لأنه يطالب بتطبيق شرع الله المتمثل بالقرآن والسنّة، وأن هذه هي عقيدته التي يتمنى أن يموت عليها وهو يرى في المسائل السكوت عنها في هذين المصدرين، بأن لولي الأمر أن يأخذ فيها بما يشاء.
ومعنى هذا ومؤداه في رأي المستشار الذي أصبح بعد ذلك بوقت قصير المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين، بعد اغتيال مرشدها الراحل الشيخ حسن البنا في الأمور المسكوت عنها، إطلاق يد الحاكم في ما يعرض عليه من حاجات الناس وأمور الحكم دون أن يقيد بقانون وضعي مثل القانون المدني، يضع قواعد عامة ومجردة، تحكم هذه الأمور وما أكثرها.استبداد يقضي إلى الطغيانوقد ظل هذا الرأي الذي أبداه المرشد العام الأسبق لجماعة "الإخوان" منهج الجماعة وفكرها، حتى بعد أن وصلت إلى حكم مصر في أول يوليو سنة 2012، وهو ما يمهد للاستبداد الذي عرفه الدكتور محمد عمارة بأنه الانفراد بالسلطة والسلطان في أي ميدان من ميادين السلطة والسلطان؛ في الأسرة، أو الديوان، أو الدولة، أو الحكومة، أو في المال والثروة، أو في اتخاذ القرار، أو في تنفيذه.ويستطرد د. محمد عمارة فيقول إن الانفراد بالسلطة والسلطان هو السبيل المقضي إلى الطغيان (يراجع في ذلك تقديمه لكتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد).وقد كانت تتردد في منتديات الجماعات الإسلامية وصحفها وقنواتها الفضائية، الدعوة إلى قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بحق، لكل من يخرج على طاعة الحاكم، وهي الدعوى التي أطلقها د. محمود شعبان في إحدى الفضائيات.ويسجل تاريخ أنظمة الحكم التي ارتدت عباءة الإسلام ما روي عن أبي جعفر المنصور أنه قال "إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده وتبصيره، وخازنه على فيئه أعمل فيه بمشيئته، وأقسمه بإرادته، وأعطيه بإذنه، قد جعلني عليه قفلا إذا شاء أن يفتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم فتحني، وإذا شاء أن يقفلني عليها أقفلني".البيعة على السمع والطاعةويشبه الأستاذ محمد عبدالمقصود د. محمد مرسي بالرسول- صلى الله عليه وسلم- يوم الحشد الذي حشده الحاكم في 21/6/2013 في رابعة العدوية بمدينة نصر، فيقول لهم عندما طالب الرسول المسلمين بالبيعة سألوه نبايعك على ماذا؟ رد عليهم الرسول تبايعونني على السمع والطاعة.حجاج آخرذلك أن الحجاج لم يكن فرداً، بل كان نظاماً استمر قرونا طويلة بعد موت الحجاج، يقتل ويعذب ويشرد وينتهك الحرمات، رافعا راية الظلم باسم الإسلام، ويخطب المهندس عاصم عبدالماجد عضو مجلس شورى الجماعة في الحشد سالف الذكر، والذي حمل شعار "لا للعنف"، فيعلن أنه يرى رأي الحجاج، رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لقاطفها بإذن الله.ويبدو أنه لم يقرأ التاريخ جيداً، فقد روي عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، أنه قال "لو جاءت كل أمة بخطاياها يوم القيامة، وجئنا نحن بالحجاج وحده لرجحناها جميعاً".وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.
مقالات
ما قل ودل: عندما أطلق مرشد الجماعة يد الحاكم في أن يأخذ بما يشاء
29-03-2015