آخر ما صدر عن إدارة باراك أوباما حول الأزمة السورية، التي تدخل في هذه الأيام عامها الخامس، هو تصريح مدير وكالة المخابرات الأميركية (سي آي إيه) جون برينان الذي قال فيه: «لا أحد منا لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا التحالف الدولي ولا دول المنطقة يريدون انهيار الحكومة والمؤسسات في دمشق...»، وبالطبع فإن برينان قد برر وجهة نظره هذه بالقول: «إن من شأن هذا الأمر أن يخلي الساحة للجماعات المتطرفة، لاسيما تنظيم الدولة الإسلامية!».

Ad

ولعل ما كان يجب أن يسأله برينان لنفسه قبل أن يقول مثل هذا الكلام هو: لماذا يا ترى وصلت الأمور في سورية إلى ما وصلت إليه، فأصبح خيار بقاء الأسد وبقاء حكومته هو الخيار الوحيد حسب وجهة نظر واشنطن ومعها، بالطبع، روسيا و«التحالف» و«دول المنطقة»...؟ ما الجهة المسؤولة عن هذا الخيار الكارثة...؟ أليست الولايات المتحدة وهذه الإدارة البائسة والمترددة؟!

إن برينان يعرف بحكم موقعه، على رأس أهم جهاز مخابرات في الكرة الأرضية، إن ليس بحكم كفاءته ومقدرته، أن مجموعة من العوامل قد تداخلت وتضافرت من بينها رداءة إدارة باراك أوباما، وهذا إن ليس تآمرها وانخراطها في لعبة إقليمية بالتفاهم مع الروس والإيرانيين وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وربما بعض الدول العربية أيضاً، ومن بينها أيضاً أن بشار الأسد قد فقد الأمل، وكاد يعلن الاستسلام، كما أكد رئيس الحرس الثوري الإيراني قبل أيام، لولا التدخل العسكري الإيراني الذي بات حقيقة يفاخر ويفتخر بها النظام السوري ذاته، ويعلنها قادة إيران وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي على رؤوس الأشهاد.

لقد بات ثابتاً وواضحاً أنه لو أن إيران، بأموال العراق في عهد نوري المالكي وبأكثر من أربعين تشكيلاً طائفياً وبحراس الثورة وفيلق القدس وحسن نصر الله، لم تدخل على خط هذا الصراع بكل ما تملكه وبكل ثقلها، ولو أن روسيا لم تتكفل بالمعركة السياسية والدبلوماسية، إضافة إلى التسليح وتوفير الخبراء العسكريين لما استطاع بشار الأسد الصمود ولرَفَعَ راية الاستسلام قبل انتهاء السنة الأولى، ولكان البديل هو المعارضة المعتدلة، وهو حل انتقالي سلمي كالحل الذي تم التوصل إليه في جنيف الأولى، والذي أفشلته موسكو في جنيف الثانية.

ثم وإن المفترض أن مدير «سي آي إيه» يعرف أن «داعش» اختراع إيراني وروسي «غَرَشتْ» عليه الولايات المتحدة، ومعها بعض دول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول «الإقليمية»! والعربية أيضاً، والهدف هو إعطاء مصداقية للكذبة، التي كذبها نظام بشار الأسد منذ اليوم الأول لانفجار الثورة السورية، التي قال فيها إنه لا يوجد شعبٌ ثائر وإنما مجموعات إرهابية كـ»القاعدة» التي أنجبت «داعش» وغير «داعش»!

وهنا ألم يكن على مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية أن يسأل نفسه: متى ظهر «داعش» يا ترى؟ وما دور إيران وروسيا ومعهما نظام بشار الأسد في ظهوره؟! إن ما يجري في العراق الآن يثبت أن ظهور هذا التنظيم وإحاطته بكل هذه الهالة وإعطاءه مدينة «الرقة» السورية لتكون عاصمة له والتبشيع والتشنيع بالعرب السنة ليكونوا حاضنة له كان ضرورة لإفشال ثورة الشعب السوري، وكان ضرورة لإبادة مكون عراقي رئيسي هو العرب السنة، ليتم تقسيم بلاد الرافدين وفقاً للخريطة الطائفية والإثنية التي رسمها بول بريمر ومعه القادة الذين عادوا من المنافي البعيدة على ظهور الدبابات الأميركية... وبصحبة قوات بدر الإيرانية!