الولاء والبراء و«بغض الكفار»

نشر في 03-11-2014
آخر تحديث 03-11-2014 | 00:01
لا يمكن لدين، يقول كتابه «وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ«، «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ»، ويقول رسوله، عليه الصلاة والسلام: «أحب الناس إلى الله تعالى، أنفعهم للناس»، أن يأمر أتباعه بكراهية الآخر، لمجرد اختلافه في الدين! كيف وهو الله، عز وجل، القائل: «لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً».
 د. عبدالحميد الأنصاري بعثت أمٌّ برسالة إلى إحدى الصحف، تشتكي حشو مخ ابنتها بـ"بغض غير المسلمين"، وهي لم تتجاوز الثامنة من العمر، من خلال كتاب "التوحيد" المقرر على الصف الثالث الابتدائي، في دولة عربية، حيث يذكر الكتاب صور البراءة من المشركين: 1- بغضهم 2- الهجرة من ديارهم 3- بيان ما هم عليه من الباطل. تتساءل الأم بحيرة: هل يريدونني أن أبغض العالِم اليهودي الذي اكتشف الأنسولين، الذي يعيش عليه الكثيرون وأولهم أمي؟! هل أبغض الذي اكتشف دواء الملاريا وأنقذ ملايين البشر؟ هل أعلِّم ابنتي بغض "أديسون" الذي اخترع المصباح الكهربائي، وأنار العالم كله بما فيه العالم الإسلامي؟! هل أكره العبقري "ويليس كارتير" الذي اخترع المكيف، وأنقذنا – نحن أهل الخليج خاصة – من نار الحر والرطوبة والأبنية الأسمنتية اللاهبة؟! لماذا أعلم ابنتي الحقد والكراهية وهي لم تتجاوز الثامنة؟! أليس رسولنا –عليه الصلاة والسلام – القائل: "أحب الناس إلى الله تعالى، أنفعهم للناس".

وتتساءل الكاتبة ليلى أحمد الأحدب، في تعليقها على هذه الرسالة، بقولها: "ديننا دين محبة وسلام، فلماذا نحوله إلى دين كره لكل ما هو مختلف عنا؟!"، لكن الرسالة لم تمر بسلام، إذ قام أحد كبار العلماء بانتقاد طرح الموضوع للحوار في الصحف، مؤكداً أنه يجب تعليم أطفالنا، عقيدة "الولاء والبراء"، لأن الله تعالى يقول "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ"، وأما التعامل معهم والاحسان إليهم، فهما مباحان، وذلك من باب المكافأة لا من باب المحبة.

 وتضيف بدرية البشر – الروائية والإعلامية المشهورة – إن إمام وخطيب مسجد، حذر في خطبته من السفر إلى بلاد الكفار، لأنه حرام، وقال إن من يموت فيها سيدخل النار، فالإسلام يدعو إلى الهجرة منها، فكيف نسافر إليها؟!

يتجاهل الشيخان، أن الله تعالى أمرنا بالبر بهم، في قوله تعالى: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ) و"البر" هو "المودة"، فكيف لا تجوز مودتهم، وقد أباح لنا الزواج منهم؟ فتكون الكتابية، زوجتي، وأم أولادي، فكيف لا أودها؟!

مفهوم "الولاء والبراء" من المفاهيم الدينية التي أسيء تفسيرها، مثله مثل مفهوم "الجهاد" الذي اختلط بمفهوم "الإرهاب" على أيدي التنظيمات المتطرفة، وكذلك مفهوم "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" الذي شُوِّه وتحول إلى شرطة دينية تلاحق الناس وتتدخل في خصوصياتهم، ومن هنا يجب تفكيك هذه المفاهيم وقراءتها قراءة منسجمة مع روح العصر ومنطقه، ومن منطلق حضاري إنساني تنموي يراعي المصالح العليا لدولنا ومجتمعاتنا.

 وعودة إلى "الولاء والبراء" أقول: إذا كان القرآن الكريم أمرنا بعدم موالاة غير المسلم، فهذا ليس على عمومه وإطلاقه، لأن القرآن – نفسه – ميز بين العدو والصديق (من غير المسلمين) فأما من لم يعتدِ، فلا حرج في مودته، وأما من اعتدى، فهذا الذي منعنا القرآن من موالاته، بدليل أن القرآن الكريم يقول عن أهل الكتاب "لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ"، ويقول –أيضاً – "وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى"، فلا يجوز تعميم الحكم، لأن في ذلك خطأين: معرفياً وأخلاقياً، ولأنه منهج عقيم لا يعين على تواصل البشر المطلوب قرآنياً (لِتَعَارَفُوا)، يجب تخليص المناهج الدراسية والخطاب الدعوي من "الكراهية" من أجل مستقبل أولادنا وتحصينهم من غزو الفكر الظلامي الذي يزرع "الكراهية" فيحولهم إلى "قنابل بشرية".

 على الدعاة والخطباء والمتحدثين باسم الإسلام – كافة – الانفتاح على روح العصر ومعطياته الحضارية، ومراعاة واقع تقارب الشعوب بعضها من بعض، وحاجة دولنا إلى تبادل المصالح مع الدول الأخرى. إن دولنا اليوم – وبخاصة دول الخليج – على علاقة شراكة وتحالف مع الغرب وأميركا في كل المجالات، وإذا زرعنا كراهيتهم في نفوس ناشئتنا، انقلبوا علينا غداً وسلّوا سيوفهم على أنظمتنا! الذين يزرعون الكراهية، اليوم، سيجنون العلقم، غداً، ونحن الذين نخسر بزرع الكراهية لا الآخر الحضاري المتفوق، لأننا نحن المحتاجون إليه في جميع مقومات حياتنا ووجودنا، وغير مفيد أن تلاحق الإرهابي وتترك من يشحن أبناءك بالكراهية، فالتطرف يبدأ بزرع الكراهية في نفوسٍ وعقولٍ عندها القابلية للعنف ورفض المجتمع والدولة!

لا يمكن لدين، يقول كتابه "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"، "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ"، ويقول رسوله، عليه الصلاة والسلام: "أحب الناس إلى الله تعالى، أنفعهم للناس"، أن يأمر أتباعه بكراهية الآخر، لمجرد اختلافه في الدين! كيف وهو الله، عز وجل، القائل: "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً".

 * كاتب قطري

back to top