في المؤتمر الأوروبي الذي وضع ميثاق المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 1949، وقف ممثل فرنسا بيير هنري تتجن، وقال: «لا سيادة إلا لسيادة العدالة، وهي السيادة الوحيدة التي تستحق أن نموت من أجلها».
فسيادة العدالة عند هذه الدولة التي خرجت من الحرب الثانية مثخنة بالجراح تسمو فوق سيادة الدولة، وبالتالي لا يصح لدولة ما أن تنتهك معايير حقوق الإنسان بتشريعاتها بحجة سيادة الدولة، فسيادة الدولة هدفها يجب أن يكون ضمان أمن وحرية البشر مواطنين أو وافدين، وإذا كانت السيادة قبل عصر التنوير والثورة الفرنسية للملوك والحكام، فأضحت بعد ذلك للدولة، وهي بالتالي ليست مطلقة، وإنما يحدها ويقيدها حقوق الإنسان الأساسية، فليس لنا أن نتذرع بسيادة الدولة في قضايا سحب الجنسية وإسقاطها عن مواطنين من قبل السلطة التنفيذية بالمطلق، من دون رقابة ولا محاسبة من بقية سلطات الدولة. ولا يصح قبول النصوص التي بترت من جسد سلطة القضاء حق النظر في مسائل الجنسية، أو اعتبارها من مسائل السيادة، فلهذه السيادة حدود، وإذا أطلقت نظرية السيادة لمعظم أعمال سلطة الحكم، فلا معنى لوجود دستور الدولة، ولا معنى لحقوق وحريات الأفراد طالما ظلت هنا السلطة التنفيذية هي الخصم والحكم.حين سحبت الجنسية عن عدد من المواطنين، ليس لأسباب التزوير والتلاعب بكسب الجنسية، كما تدّعي الحكومة، فهذه أسباب كانت أمام عينيها لعقود ممتدة، وغضت النظر عنها وكأنها غير موجودة حسب اسم الوزير وحسب مزاج الوزارة وأخلاق المواطن «حين يسمع الكلام، أو يطيع أو يشاغب»، كانت السلطة هي الخصم والحكم، مثلما كانت السيد الأوحد حين منحت الجنسية لمن تعتبرهم اليوم مزدوجي الجنسية، أو أن مواطنتهم للدولة «فجأة» تعد خطراً على الأمن، واليوم هي تعاقب هؤلاء الضحايا، وتمد سيف العقاب لذريتهم وسلالتهم من دون نهاية، لكنها لا تذكر ولا تبيّن الذين شاركوا من كبار السلطة في منح هذه الجنسية. بكلام آخر، تنظر السلطة على أن منح الجنسية أو كسبها «صدقة» وحسنة من أهل الخير في الحكم وتحميل المواطنين معروفاً، ويمكن سحب الجناسي «المتصدق بها» حين يحلو الأمر للسلطة أو يخرج المواطن في التعبير عن رأيه عن الطوع، وكأنهم قُصّر تحت ولاية ووصاية ولاة الأمر في السلطة، ويظل الكثير من المواطنين تحت هواجس القلق، معرّضين أن يزج بهم في أي لحظة للمجهول ولحالة «الإعدام» من وجود الانتماء القانوني... ما هذا اللعب، هل وثيقة الجنسية بطاقة انتماء، أم تذكرة لمسرحية، ألغيت لعطل في الإضاءة؟أخبرني سعد العجمي (حالة فقد الجنسية كما يحلو للسلطة أن تسميها) أنه ذهب للمسؤولين يسألهم أين جنسيته الأخرى التي على أساسها سحبت منه جنسيته الكويتية، وهو كويتي بالتأسيس، كما تقول أوراق السلطة، وإذا كان والده أو قريبه أو أياً كان له جنسية أخرى لا يعلم عنها قبل عقود طويلة، فما ذنبه هو كذات مستقلة، وقد تجاوز الأربعين عاماً؟! لم يجاوبه أحد، أين يذهب، لمن يشكو، لمن يعرض أوراق قضيته؟! ماذا يقول لابنته «صيته» المحتاجة إلى العلاج (على نفقته) في الخارج؟!قل لها يا سعد: أنت لا تملكين وثيقة سفر، ولا هوية دولة، لك انتماء لهذه الدولة، لكنك أيتها الصغيرة غير موجودة، ولو تنفست لهباً وأحرقت الدموع وجنتيك... أي عام سعيد هذا؟!
أخر كلام
سيادة العدالة... كل عام وأنتِ بخير!
01-01-2015