يشدد الناقد الفني طارق الشناوي أنه عند مخاطبة الأطفال لا بد من التنبه من {الفجوة الرقمية} بين الأجيال، فالأمر لم يعد مجرد اختلاف في نوع الموسيقى أو في خطوط الموضة بين العناصر البشرية، وإنما نحن إزاء {ثورة في طريقة التفكير} والتعاطي مع الواقع المعاصر، فنظرة الأطفال إلى الأمور اليوم يتخللها كثير من التساؤلات والنقد والاعتراض القائم على {نزعة مادية} بسبب الإيقاع السريع من حولنا. ويؤكد أنهم لن يقتنعوا بخطاب بدائي عبر أفلام عفوية ورسومات بدائية ومؤتمرات صاخبة لا تراعي أو تعبر عن التطور لدى الطفل .

Ad

ويطالب الشناوي بالنظر إلى نوعية الفنون التي يتعرَّض لها الأطفال في الغرب، وأن يكون القيمون على إنتاج المواد الموجهة إلى الأطفال {متخصصين}، وليس مجرد مسؤولين في الحكومة وقطاعات الثقافة، إنما أكاديميون على دراية بسيكولوجية الطفل وأبعاد مخيلته، وكيفية تقديم القضايا المعاصرة إليه وإشراكه فيها ليكون وجهة نظر حقيقية عبر أعمال فنية قيمة، محذراً من محاولات {تنميط الأطفال أو قولبتهم} عبر وجهة نظر تخدم التوجهات الرسمية بما يتناقض مع رسالة الفنون والثقافات. كذلك يوضح أن الدول المتقدمة تشهد فعاليات تتعلق بفنون الأطفال حيث نجد {حرية ملموسة} في ما يراد لهذه الأجيال المشاركة فيه، أو مشاهدته، وحتى صناعته بأنفسهم في المهرجانات كافة والمسابقات الفنية ليبتكروا عالماً خاصاً بهم .

ويختتم حديثه بضرورة التنسيق بين مؤسسات الدولة وقطاعاتها كافة لأجل الاهتمام بالأطفال، حتى لا نرى قسماً يظهر بشكل جيد في مؤتمرات ومهرجانات الدولة الفنية العلنية، فيما الغالبية منهم تتلقى تعليماً سيئاً في المدارس أو ينهشها الإهمال في دور الرعايا الصحية والمستشفيات، وصولاً إلى أطفال الشوارع ومشكلاتهم، {فعلى الجميع العمل ضمن {منظومة مترابطة} تنهض بدور تلك الأجيال الناشئة}.

مقررة لجنة ثقافة الطفل في المجلس الأعلى للثقافة في مصر الكاتبة فاطمة المعدول، أكدت أنهم ينظرون إلى الأطفال باعتبارهم {استثماراً للمستقبل}، وسيُعتمد عليهم في ما بعد لمواجهة قضايا تواجهنا اليوم، من ثم يحاولون تأهيلهم لمواجهة أزمات ربما نفشل في معالجتها فيكون عليهم التعامل معها ومواجهتها، واصفة إياهم بـ{قوة فاعلة} باستطاعتها أن تكون أرضاً خصبة لاستيعاب أنواع الفنون كافة وألوان الإبداع منذ الصغر .

وتضيف المعدول أن سياق عيشنا بالغ التعقيد والتركيز على الجانب التقني أو التكنولوجي فقط يعد {قصوراً}، موضحةً أن الأجيال الجديدة قادرة على تطوير نفسها {ذاتياً} عبر خبرات شخصية يصنعها الاحتكاك بالنوافذ الافتراضية ومواقع التواصل الاجتماعي، و{دورنا أيضاً لفت نظر الأطفال إلى قضايا كـ{التطرف، التمييز، حقوق الإنسان}، عبر المضامين الفنية والنشاطات الثقافية، وتوعيتهم لهذه العناوين تأتي عبر العمل على رقي التفكير وسمو المشاعر ونبل الأهداف، وهي أمور لا علاقة لها بوسائل الاتصال والثورة التكنولوجية.

وتشير إلى ضرورة ألا يقتصر الاهتمام بالنشء على الدور الوطني للدولة، وإنما شيوع ثقافة شعبية أهلية تعمل عبر دوائر غير رسمية في المساجد والكنائس والسينما ودور المسرح، للمساعدة على ترسيخ القيم والمعاني التي نحاول زرعها في أوساط الأطفال والشباب عبر فاعليتنا ونشاطاتنا في المؤتمرات والمهرجانات، كاشفة عن أن الفترة من 20 إلى 27 مارس الجاري ستشهد الدورة 22 لمهرجان القاهرة الدولي لسينما وفنون الطفل، وسيحضره مسؤولون في المجالس العليا للثقافة ونخبة من الفنانين تعزيزاً للتواصل بين الأجيال.

الفنان محمد صبحي يقول لـ{الجريدة} إن تبدل العصور وتغير اللهجة والأفكار والمعطيات المعيشية، لا ينسفان القواسم المشتركة بين الأجيال المتعاقبة، وثمة نقاط يلتقي فيها الجميع توحدها ثلاثية الفنون والموسيقى والثقافة، أو {المضمون أو الجوهر}، كما وصفها، مؤكداً أن سمات التكنولوجيا مجرد {إطار} يضم هذه التفاعلات كافة داخل ذهنيات الأطفال الذين يجب ألا تهملهم الدولة وسط مشاغلها الخارجية وأزماتها الداخلية.

ويضيف صبحي أن الجميع يتحدث عن الطفل بنظرة إلى بُعد مستقبلي، ولكن لو نظرنا إلى فترة الماضي فإن غالبية مشاكلنا يتسبب فيها ضياع أجيال كاملة كانت لتغير من الأوضاع التي نعيشها لو أنها لاقت اهتماماً ورعاية كافيتين من الدولة، وعلينا أن نشجع أي دور يفتح قنوات الاتصال مجدداً بيننا وبين تلك الشرائح العمرية، موضحاً  أنبذور الحضارة في هذا الشعب ستساعد على تنشئة أجيال تستجيب إلى لغة الفن وأثره وتنبذ من بينها أمراض العصر التي نعانيها، وسط انتشار المضامين الاستهلاكية المتردية في القطاعات الفنية كافة، ما يجب أن تقابله جهود حقيقية تؤمن بقدرتها على التواصل مع هذا الجيل دون التذرع بتأخر خطابها التقني أو تراجع إمكاناتنا التكنولوجية، لنخرج من بين صفوفهم المبدع والمثقف والفنان.