فجر يوم جديد: {أسوار القمر}
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
مع اللقطات الأولى للفيلم ينجح المخرج طارق العريان في استعادة لياقته الفنية، وبراعته الحرفية، التي عودنا إياها في أفلامه: {تيتو} (2004)، {السلم والثعبان} (2001)، {الباشا} (1993) و{الإمبراطور} (1990)، فالدراما البصرية عنده لا تقل أهمية عن دراما الحكي والسرد. ومثلما يخرج بالكاميرا عن الأطر المعتادة للأماكن التقليدية، يقدم رؤية إبداعية مبتكرة للمطاردة باليخوت البحرية، ومن قبلها التلاحم بالأيدي في البحر، كما يتفنن في تقديم قراءة بصرية جديدة للسيناريو، ويُبحر بالمتلقي في رحلة من الغموض والخوف من المجهول الذي يطرق الأبواب في صورة امرأة كف بصرها لكنها لم تفقد بصيرتها، ويخت يقاوم العنف والأمواج المتلاطمة، وحقيقة ملتبسة عن رجلين أحبا امرأة كلٌ بطريقته، وكعادة المرأة تركت نفسها فريسة لصاحب الكلام المعسول حول {الموتى الذين يقبعون خلف أسوار القمر في انتظار اكتماله ليتحدثوا مع الأحباء}، قبل أن تفيق لنفسها، وتُدرك أنها ضحية مخبول تصور أنه {روميو} الذي ينبغي لـ {جولييت} أن تنتحر من أجله أو معه! أجواء تُعيد التذكير بالفيلم الأميركي (Cape Fear (1991 إخراج مارتن سكورسيزي وبطولة روبرت دي نيرو مع نيك نولت وجيسيكا لانغ. فالعنف الجسدي، الغيرة المرضية، التشوه النفسي والصراع على المرأة، ملامح مشتركة بين الفيلمين، فضلاً عن احتدام الصراع الرئيس في يخت تتنازعه العاصفة ويُهدده الغرق. لكن {العريان} يُضفي لمساته الخاصة على النص الذي كتبه محمد حفظي، وعلى غير العادة لم يقطع {الفلاش باك} تدفق الأحداث، وإثارتها، ولولا السنوات الطويلة التي استغرقها تصوير الفيلم، وظهر أثرها على نسخة العرض، كذلك بعض الضعف الذي شاب {الغرافيكس} والخدع البصرية، لأصبحنا أمام تحفة سينمائية تضافرت فيها عوامل عدة، كالتصوير المبهر (أحمد مرسي ونزار شاكر) والمونتاج المُحكم (ياسر النجار) والموسيقى (هشام نزيه)، والأداء التمثيلي الذي يعكس نضج الثلاثي: منى زكي، آسر ياسين وعمرو سعد من ناحية، كما يؤكد مهارة العريان في إدارة الممثل، سواء من خلال توظيفه في الدور المناسب أو تغيير النمط الذي اعتاده الجمهور، فضلاً عن خلق {هارموني} (انسجام) بين الممثلين، بعد بث روح التنافس المشروع بينهم، وهو الأمر الذي بدا جلياً في أداء الفنانين الثلاثة على الشاشة. في {أسوار القمر} دفعت {زينة} ثمناً غالياً حتى يتبين لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وتُفرق بين الحب الحقيقي والمزيف، والمثير أنها أدركت، وهي كفيفة، الحقيقة التي لم تتوصل إليها وهي غارقة لأذنيها في عالم الدخان الأزرق والزيف والانبهار الخادع، وربما جاءت النهاية السعيدة، التي مات فيها الشرير {رشيد} وعادت فيها {زينة} إلى {أحمد} أقرب إلى نهايات أفلام الأربعينيات والخمسينيات، لكنها لم تطفئ جذوة النشوة وأجواء الإثارة التي شاعت في أرجاء الفيلم بلغة سينمائية رفيعة الشأن، ومشاعر متباينة، وشخصيات متناقضة، ونفوس لا تستطيع أن تنفذ إلى أعماقها بسهولة. أكد فيلم {أسوار القمر}، ومن قبله {الفيل الأزرق}، أن الخارطة الإنتاجية في السينما المصرية في سبيلها إلى التغيير، وأن شركات الإنتاج باتت تملك الجرأة التي تدعوها لتدشين سينما جديدة بعيدة عن الأنماط السائدة، والأفكار المستهلكة، والأمل كبير في المزيد من التجارب المختلفة.