صدرت الطبعة الرابعة من كتاب {الفقيه والسلطان: جدلية الدين والسياسة في تجربتين تاريخيتين، العثمانية والصفوية- القاجارية}، للمؤلف وجيه كوثراني. وكان الكتاب صدر سابقاً بطبعته الأولى في عام 1989 عن دار الراشد في بيروت ثم بطبعته الثانية في العام التالي 1990 ولاحقاً بطبعته الثالثة في عام 2001.

Ad

مستعيناً بتجربتين سلطانيتين كبريين شغلتَا قروناً من الزمن التاريخي العربي والإسلامي ما قبل تكوُّن الدول الوطنية في العوالم الإيرانية والعربية والتركية، هما: التجربة الصفوية - القاجارية والتجربة العثمانية، يعالج كتاب «الفقيه والسلطان: جدلية الدين والسياسة في تجربتين تاريخيتين، العثمانية والصفوية- القاجارية»، للمؤلف وجيه كوثراني، إشكالية العلاقة بين الفقيه والسلطان.

الكتاب الصادر عن «عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» مُكوَّن من 254 صفحةً من القطع الكبير، وهو يشتمل على أربعة فصول رئيسة تسبقها مقدمات الطبعات السابقة، فضلاً عن مقدمة طبعته الحالية، وعلى مجموعة من الملاحق وفهرس عامٍّ. أما أسباب اختيار المؤلف هاتين الدولتين تحديداً فهي كثيرة، من بينها أنّهما كانتا آخر الدول الإسلامية الكبرى التي أعلنت انتسابها إلى الشريعة الإسلامية، وأنّ ما نجم عن هذا الإعلان من نتائج كان له تأثير في الصورة التاريخية الموروثة في حاضر المسلمين عن ماضي دولتهم.

 كذلك شهدت هاتان الدولتان صراعاً حادّاً بينهما بهدف السيطرة والتوسع في مناطق العالم الإسلامي، علماً أن كلاً منهما اعتمدت في تبرير صراعها تجاه الأخرى وسائل أيدولوجيةً مخلتفةً في صدارتها التعبئة الدينية، إضافةً إلى أنّ نهاية كلّ من الدولتين كانت في آخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وتزامنت مع بداية تبلور المشروعات القومية وقيام مشروعات الدول الإقليمية المحدثة في العالمين العربي والإسلامي.

استعادة تاريخية

ومن خلال هذه المستويات كلِّها، تبرز أهمية الموضوع التاريخي الذي يطرحه الكتاب، وأهمية الاستعادة التاريخية للعلاقة بين السياسة والدين، وبين الدولة والدعوة، وبين السلطان والفقيه. فمساحة هذه العلاقة تُغطِّي أوجه التقارب أو التعارض بين الطرفين، وأوجه الاستخدام الوظيفي للدين بما هو حالة فقهية يُقدِّمها فقيه السلطان، أو حالة معاداة الدين للسلطات بما هو ثورة سياسية في وجه السلطان، أو حالة انكفاء عن السلطان أو اعتزال ونبذ له.

ورغم أنّ هذه العلاقة قد دُرست وعُبِّر عنها في كتب التاريخ والسياسة والاجتماع، فإنّ حقل هذا النوع من الدراسات ما زال يحمل كثيراً من التعقيدات الفكرية والفقهية والسياسية. ولا تندرج هذه الدراسة في نطاق المعالجة النظرية أو الفقهية؛ وذلك أنَّها تستند إلى منهج تاريخي حكَم التجربتين العثمانية والصفوية - القاجارية وتُقدِّم معطيات مفيدةً بشأن فهْم مسائل الاختلاف والتنوع والتعدد والصراع بين المسلمين، من خلال منظورٍ يتوخى فهماً سليماً لتاريخية هذا الاختلاف، ومنظورٍ مستقبلي مقاربٍ للحقيقة، متطلِّع إلى أُفقٍ توحيديٍّ في الهدف والغاية.

والمؤلف وجيه كوثراني حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون بباريس، وقد سبق أن عمل في الجامعة اللبنانية، في الفترة 1975 – 2005، أستاذاً في قسم التاريخ، وهو يشغل حاليّاً منصب المدير العلمي للإصدارات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومن كتبه: تاريخ التأريخ: اتجاهات – مدارس – مناهج (صدر عام 2012)، وإشكالية الدولة والطائفة والمنهج في كتابات تاريخية لبنانية: من لبنان الملجأ إلى {بيوت العناكب} (صدر عام 2014).