لماذا تحتاج أوكرانيا إلى الأسلحة؟

نشر في 22-02-2015
آخر تحديث 22-02-2015 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت أصبح الأمر أشبه بشعار شائع بين الدبلوماسيين وغيرهم من محللي السياسة الخارجية، مفاده أنه لا يوجد حل عسكري للصراع بين روسيا وأوكرانيا، ويعلن المراقبون أن الطريق الوحيد إلى السلام والاستقرار هو الطريق الدبلوماسي، ولكن برغم اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الذي أعلِن في منسك، فإن العنف المستمر، والذي تجلى في طرد القوات الأوكرانية من مدينة ديبالتسيف بكل عنف، يشير بقوة إلى أن الوقت حان للنظر في ما هو مطلوب لمنع أي حل عسكري يفرضه الكرملين.

وقامت ثلاثة مراكز بحثية أميركية بهذه المهمة بالفعل، وتوصلت إلى استنتاج مفاده أن الولايات المتحدة لابد أن تبدأ بتزويد أوكرانيا ليس فقط بالمزيد من المساعدات غير المميتة، مثل الطائرات بدون طيار، والعربات المدرعة، والمعدات الطبية، بل أيضاً بالمساعدة العسكرية الدفاعية المميتة، في هيئة صواريخ خفيفة مضادة للدروع، غير أن الحكومات الأوروبية تظل عازفة عن إعادة النظر في موقفها من تزويد أوكرانيا بالمعدات الدفاعية، وتؤكد أن الحل الدبلوماسي هو الخيار الوحيد.

بطبيعة الحال، من منظور أوكرانيا، لا تظل المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا خياراً وارداً، ففي العام الماضي، عندما بدا الأمر وكأن القوات الانفصالية في إقليم دونباس تتهاوى تحت وطأة الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا، كان التصور أن أوكرانيا قد تتمكن من إعادة تأكيد سيادتها على المنطقة. ولكن الكرملين سارع إلى نشر مجموعات تكتيكية بحجم كتائب من الجيش الروسي لدعم المتمردين، ولم تتمكن القوات الأوكرانية الضعيفة نسبياً من الصمود.

وتأتي هذه الخطوة تجسيداً لالتزام روسيا بالقيام بكل ما يلزم لمنع إلحاق الهزيمة العسكرية بالكيانات الانفصالية التي حرضتها وشكلتها في وحدات مقاتلة، وقد استمر هذا الالتزام حتى برغم أن الصراع فرض ضغوطاً كبيرة على قواتها المسلحة، وعلى هذه الخلفية فإن احتمالات تمكن روسيا من استعادة السيطرة على منطقة دونباس عسكرياً تصبح ضئيلة للغاية، حتى أن مجرد المحاولة تُعَد حماقة كبيرة.

وإذا وضعنا في الحسبان الطموحات الاستراتيجية للانفصاليين ورعاتهم الروس، فإن آفاق أوكرانيا تصبح أشد قتامة. وفضلاً عن تزويد المجموعات الانفصالية بأسلحة ثقيلة ومتقدمة، ونشر وحدات وقوات خاصة لدعم هذه المجموعات، يبدو أن روسيا الآن ترسل "متطوعين" لتدريب جيش الانفصاليين حتى يتسنى له في نهاية المطاف أن ينتقل إلى الهجوم.

ويأمل زعماء الانفصاليين أن يمكنهم هذا الجيش ــ على أقل تقدير ــ من تأمين سيطرتهم على منطقة دونباس، وبهذا يصبح بوسعهم تأمين دويلة "روسيا الجديدة" التي تمتد على طول ساحل البحر الأسود إلى أوديسا. وفي كل الاحتمالات، سيحلم البعض بالزحف إلى كييف.

ولمنع هذا السيناريو، فإن إدارة حوار سياسي قوي مع الكرملين أمر مهم، وكذا استمرار العقوبات الاقتصادية حتى يتبين لروسيا أنها ستدفع ثمناً باهظاً لعدوانها المستمر، ولكن الثقة بقدرة الحوار الدبلوماسي والعقوبات فقط على جلب السلام الدائم قد يكون إفراطاً في التفاؤل.

إن أي نهج أكثر شمولاً لابد أن يركز على تعزيز قوة أوكرانيا، ولتحقيق هذه الغاية، فإن الدعم السياسي والدبلوماسي يشكل ضرورة أساسية، ولكن الأمر الأكثر أهمية هو دعم الإصلاحات الرامية إلى القضاء على الفساد وتعزيز النمو. ويشكل الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي أهمية مباشرة في هذا الصدد، كما يشكل الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن منطقة التجارة الحرة العميقة والشاملة أهمية بالغة لتحول البلاد في الأمد البعيد.

ولكن إذا كانت الجماعات الانفصالية تعتقد أنها قادرة بدعم من روسيا على السيطرة على دونباس وساحل البحر الأسود، فإن جهود إعادة بناء مجتمع أوكرانيا واقتصادها لن تحقق الكثير، ولهذا السبب، على شركاء أوكرانيا في الخارج أن يساعدوا في تعزيز قدرات البلاد الدفاعية.

في مثل هذا الوضع المشحون، لن يخلو الأمر من بعض المتهورين المتلهفين إلى ملاحقة الخيارات العسكرية. ولكن مكمن التخوف الأكبر هو البرغماتيون، الذين يحددون نقاط الضعف التي يمكن استغلالها، وإذا نظر الانفصاليون الذين تدعمهم روسيا إلى قدرات أوكرانيا الدفاعية باعتبارها نقطة ضعف جسيمة فلن يكون من الممكن إرغامهم على عدم المضي قدماً في ملاحقة طموحاتهم. وبهذا يصبح التوصل إلى حل سياسي أو دبلوماسي أقرب إلى المستحيل.

وينبغي لخبراء الأمن أن يحددوا التدابير التي ربما تستطيع قوى مثل الولايات المتحدة أو أوروبا أن تتخذها لتحسين قدرات أوكرانيا الدفاعية، وقد يكون في طلب المعدات غير المميتة الذي تقدم به الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو في مؤتمر الأمن في ميونيخ مؤخراً بعض التوجيه والإرشاد.

من الواضح أن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وغيرها، كانوا على حق عندما قالوا إنه لا يوجد حل عسكري محض للصراع في أوكرانيا، ولكن عاماً من المحادثات والاتفاقات الفاشلة أظهر بوضوح أنه لا حل دبلوماسياً محضاً أيضا، وفقط عبر إنهاء قدرة الانفصاليين وداعميهم الروس ــ أو على الأقل إضعافها إلى حد كبير ــ على مواصلة حملتهم العسكرية، يصبح بوسع أوكرانيا وشركائها أن يأملوا التوصل إلى حل سياسي دائم.

* كارل بيلت | Carl Bildt ، رئيس وزراء ووزير خارجية السويد سابقاً.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة».

back to top