أثار الفيلم المغربي "الزين اللي فيك" (ماتش لوف) حول الدعارة والذي عرض في مهرجان كان السينمائي ومنعت السلطات المغربية عرضه داخل المملكة، الكثير من الجدل حول ظاهرة الدعارة وصورة المرأة المغربية وواقعها.

Ad

يتتبع "الزين اللي فيك" لمخرجه المغربي نبيل عيوش قصص أربع شابات، خصوصا في علاقتهن بزبائن خليجيين قادمين أساسا من المملكة العربية السعودية، وكان من المفترض ان يعرض في دور السينما المغربية في الخريف المقبل.

لكن عرض مقاطع قصيرة ترويجية للفيلم عبر موقع يوتيوب أثار مواقف متباينة وجدلا واسعا لما تضمنته من جمل جنسية بالعامية ومشاهد اعتبرها البعض "مثيرة" وحتى "ساقطة" و"تمس بصورة المرأة المغربية" رغم انها "تعكس جزءا من الواقع".

وتعرض الفيلم لهجوم شرس هو ومخرجه وفريق الممثلين، بل نظمت ضده وقفات احتجاجية ورفعت دعوى قضائية من طرف جمعية محلية ما دفع الحكومة التي يقود تحالفها حزب العدالة والتنمية الإسلامي الى الإعلان عن منع عرضه على اعتبار انه يتضمن "ازدراء خطيرا للقيم الأخلاقية وصورة المرأة المغربية".

وامتد الجدل حول الفيلم الى الطبقة السياسية المغربية حيث هاجمه حميد شباط أمين عام حزب الاستقلال المحافظ المعارض والحليف السابق لحزب العدالة والتنمية ومن خلاله هاجم خصمه عبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة.

وقال شباط مخاطبا المخرج نبيل عيوش "عندك أم وجدة وأخت وزوجة. عليك أن تعود إلى الله وتتخلى عن مثل هذا العمل"، مضيفا في مهرجان خطابي لحزبه ان مثل هذه الأفلام تأتي في زمن يقود فيه حزب اسلامي الحكومة.

في المقابل حاولت بعض الأصوات السياسية تبني موقف مغاير مثل خديجة الرويسي نائبة رئيس مجلس النواب من حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، حيث اعتبرت انه "يجب أن يتم تقييم الأعمال الفنية وفقا لمعايير الإبداع وليس من منظور الوعظ".

وزاد من حدة النقاش حول الفيلم النقل المباشر لحفل المغنية العالمية جينيفر لوبيز على شاشة القناة الثانية المغربية (دوزيم) بمناسبة افتتاح الدورة 14 لمهرجان موازين الجمعة الماضي في العاصمة الرباط، والذي ينظم تحت "الرعاية السامية" للملك محمد السادس.

وأطلت المغنية عبر شاشة التلفزيون بلباس وصف ب"الفاضح" واعتبر رقصها "خليعا" ومليئا بالإيحاءات الجنسية التي "تمس بالهوية الإسلامية للمغرب"، وفق ما عبر عنه بالخصوص قادة ونشطاء حزب العدالة والتنمية الاسلامي.

وطالب الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية رسميا باستجواب مصطفى الخلفي وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة في جلسة علنية أمام البرلمان باعتباره المسؤول عن قطاع الإعلام الرسمي، واصر قادة حزبه إما على استقالته أو اقالة المسؤولين عن التلفزيون، حسبما نقلت الصحف المغربية الأربعاء.

وقبل انتقال هذا الجدل الى الطبقة السياسية والصحافة، استهزأ رواد ونشطاء الشبكات الاجتماعية من حكومة عبد الإله ابن كيران باعتبار أنها "قفزت على الحائط الأقصر" بمنعها فيلم "الزين اللي فيك" فيما "لن تستطيع" التجرؤ على منع مهرجان موازين رغم "مسه بالأخلاق" بمنطق الحكومة، وذلك لأنه ينظم تحت رعاية الملك.

وزاد من تأجيج الجدل حول الأخلاق والهوية والمرأة قيام ناشطتين فرنسيتين من حركة فيمن صباح الثلاثاء، في غفلة من السلطات، بتعرية صدريهما في باحة مسجد صومعة حسان التاريخي حيث يوجد ضريح الملك الراحل الحسن الثاني ووالده السلطان محمد الخامس، احتجاجا على سجن المثليين في المغرب.

ومساء اليوم نفسه، وضمن فعاليات مهرجان موازين، قام ستيفان أولسدن عضو فرقة "بلاسيبو" اللندنية لموسيقى الروك، بتعرية صدره الذي ظهر عليه الرقم 489 في إشارة الى فصل في القانون الجنائي يجرم العلاقات الجنسية بين المثليين، ما أطال الجدل ووسعه حول "الأخلاق والهوية" بصفة عامة.

وانقسمت الصحافة المغربية في تناولها وتقييمها لفيلم نبيل عيوش الذي كان السبب الرئيسي في انطلاق الجدل الذي أججه مهرجان موازين وناشطات فيمن، حيث تطرقت الصحف بالخصوص الى الطريقة "الفجة والجافة" في تناول موضوع الدعارة سينمائيا رغم ان أغلبية الصحافيين لم يشاهدوا الفيلم كاملا.

واعتبرت أسبوعية "ماروك ايبدو" الصادر بالفرنسية ان "الدعارة موجودة بالفعل في المغرب لكن هذا ليس سببا للتطرق لموضوع حساس بلهجة مستفزة".

في المقابل اعتبر صحافيون متخصصون في السينما ان الموضوع "مهم جدا"، لكن المعالجة السينمائية وجودة السيناريو وكذلك الرؤية الإخراجية "كانت ضعيفة" وفيها "جرعة زائدة من المشاهد التي لا تؤدي دورها".

وبين الموقفين استطاع بعض الصحافيين الحضور الى عرض خاص ومغلق للفيلم أقامه المخرج في مدينة الدار البيضاء، حيث اعتبروا ان الفيلم "يسهم في فتح النقاش" ويصف "بيئة تتميز بالبؤس والعنف" حسبما أوردت أسبوعية "تيل كيل" الصادرة بالفرنسية.

وفي سياق موضوع الفيلم أعادت بعض الصحف المغربية نشر أرقام دراسة حول محاربة داء فقدان المناعة المكتسبة (ايدز)، أجرتها وزارة الصحة المغربية في 2011، وضمنها أرقام تتعلق بممارسة الدعارة في أربع مدن كبرى هي أكادير ومراكش والرباط وطنجة.

وتحدثت الدراسة التي شملت الأوضاع الاجتماعية وسن الجماع الأول واستعمال وسائل منع الحمل، عن وجود 19 ألف مومس في المدن الأربع، نصفهن كشفن أنهن غير قادرات على ايجاد عمل آخر يخرجهن من الدعارة.

ولم تقدم ارقام بالنسبة لباقي المدن المغربية خاصة السياحية منها، اضافة الى المناطق الهامشية التي لا تتوفر لديها موارد اقتصادية كافية،.

وكشفت احدى المومسات، دون ان تصرح باسمها لاحدى الإذاعات الخاصة بعد الجدل حول فيلم، ان السهرات والرقص و"الخلاعة" "موجودة فعلا"، مستغربة "أنا لا أفهم لماذا لم يقبل المجتمع الفيلم؟ ربما لأنه يسلط الضوء على فئة يريدها المجتمع ان تبقى مخفية".

أما نبيل عيوش الذي لقي دعم زملائه في المغرب وأوروبا فقد دافع عن فيلمه واكد انه التقى نحو 200 مومس وجمع شهاداتهن وعلى أساسها أخرج فيلمه ليكون أكثر واقعية.

واعتبر المخرج انه "لا يجب التوقف عند حد الجدل. ذلك لن يكون مفيدا لمساعدة هذه الفئة التي تمارس البغاء كل يوم. الدعارة حولنا وبدل رفض رؤيتها يجب محاولة فهم كيف انتهى الأمر بكثير من النساء الى هذا المآل".