فجر يوم جديد: {الطريق الدائري}
هيأت لي الظروف مشاهدة الفيلم الروائي الطويل «الطريق الدائري» للمخرج الشاب تامر عزت، الذي كتب السيناريو وتولى مسؤولية المونتاج، ولم أجد سبباً لاقتصار عرضه على القنوات الفضائية، واستبعاده من العرض في الصالات التجارية التي تفتح أبوابها لأفلام على شاكلة: «ظرف صحي»، «عنتر وبيسة» و{المواطن بُرص». فالفيلم الذي قام ببطولته كل من نضال الشافعي، فيدرا، سامية أسعد وحمدي هيكل، ليس بالسوء الذي يدفع الموزعين إلى إقصائه، بالشكل الذي حدث؛ خصوصاً أن قوائم ووثائق السينما المصرية لا تفسح مكاناً للأفلام التي تضل طريقها إلى الصالات التجارية، وتُسقط من حساباتها الأفلام التي تُعرض عبر القنوات الفضائية قبل الشاشات العامة.في فيلم «الطريق الدائري»، يُذكرك المخرج الشاب تامر عزت بأسلوب المخرج الراحل عاطف الطيب، سواء في اختياره لقضايا الواقع التي تمس المواطن البسيط، وتنعكس على حاضره ومستقبله، أو اعتماده على الحركة الهادئة والرصينة للكاميرا، فضلاً عن التوظيف الدقيق لمشاهد الأفلام التي تمرر رسالة ما، كما فعل في اختيار مقاطع من فيلمي «الغول» و{ليلة ساخنة» بكل ما يحملان من دلالة وإسقاط على فساد الأباطرة وكبار رجال المال والأعمال!
تبدأ الأحداث بمكالمة هاتفية تحذيرية تنتهي بمقتل الرجل الذي أفشى سراً ما، ويتبين أنه رئيس قسم مراقبة الجودة في أحد المصانع التي تنتج فلاتر للغسيل الكلوي تؤدي إلى وفاة المتعاملين معها، في حين نُدرك أن الطرف الثاني من المكالمة الهاتفية هو محقق صحافي يعمل في جريدة «الحقيقة»، ويتتبع خطى صاحب المصنع ساعياً إلى كشف فساده، وفضح علاقاته الآثمة مع الوزراء والمسؤولين الكبار؛ فالمخرج تامر عزت يعرف كيف يدخر المعلومات، والتفاصيل، ويكشفها في التوقيت المناسب. فرغم العقبات التي يضعها مدير التحرير في وجه الصحافي الدؤوب فإنه يُصر على ملاحقة رجل الأعمال الفاسد، والإيقاع به. ويلجأ المخرج/ كاتب السيناريو إلى «الفلاش باك» لوضع أيدينا على حقيقة علاقة الصحافي بالقتيل، رئيس قسم مراقبة الجودة، فهو الذي أوصاه بأن يضع جهاز تنصت في مكتب صاحب المصنع، ومن خلاله نجح في أن يُحقق خبطات صحافية متتالية قضَّت مضجع رجل الأعمال، وأثارت قلقه فما كان منه سوى أن حرض على قتل رئيس القسم، وخطط للثأر من الصحافي، الذي تفاقم لديه الشعور بالذنب عقب مقتل الرجل، والتعرف إلى أرملته وابنه. لكن سيناريو تامر عزت يستلهم حيلاً درامية هي أقرب إلى «الكليشيهات» التي عفا عليها الزمن، كالمرأة التي جاءت لتُعيد للصحافي حافظة النقود التي فقدها على باب البنك، وتكشف الأحداث أنها تعمل لحساب رجل الأعمال، كذلك علاقة الصحافي بزوجته وطفلته، التي تعاني للمصادفة البحتة من الفشل الكلوي، وحاجتها إلى استخدام «فلاتر الغسيل»، الأمر الذي يزيده إصراراً على تعقب رجل الأعمال، وكأن ثمة ثأراً شخصياً بينهما، في حين كان يمكن أن يفعل هذا حماية للمجتمع بأكمله، وليس دفاعاً عن ابنته! نجح المخرج في رسم أبعاد شخصية الصحافي الذي يمثل جزءاً من الواقع؛ فهو عاجز عن تدبير نفقات علاج ابنته، ويأمل في موافقة البنك على القرض، ويعيش حياة روتينية لا مكان فيها للتجريب أو الخروج عن المألوف، ما برر علاقته العاطفية والمرأة التي تم دسها عليه، وجاء مشهد هروبه عقب الاستيلاء على عينة «فلاتر» من وحدة الكلى حافلاً بالإثارة، وتكرر التشويق مع ظهور رجل الأعمال الفاسد، والمواجهة بينه والصحافي، الذي اقتحم مكتبه، لكن المعركة بين الصحافي ومدير الأمن اتسمت بالكثير من السذاجة، وغياب المنطقية. تعمد المخرج النابه تأجيل ظهور شخصية رجل الأعمال الفاسد، للإيحاء بأنه رمز لكثيرين غيره، وفضح تغلغل الفساد في مؤسسات الدولة، التي أغلقت الأبواب في وجه الصحافي الشريف، وعقدت الصفقات المشبوهة مع رجل الأعمال الذي اشتري صمت ضحاياه بالأموال ولكن بدا أن ثمة خللاً ما في اختيار طاقم التمثيل، فباستثناء عبد العزيز مخيون، الذي أضفى مهابة وشموخاً على شخصية رجل الأعمال الفاسد، جاء الأداء التمثيلي ضعيفاً، وبعيداً عن التوهج المطلوب في هذه النوعية من الأفلام، بينما نجح المخرج في الاستعانة بأغنية «أين أنا من العشق» تأليف وألحان وغناء أمينة خيرت.بقيت نقطة أخيرة تتعلَّق بعنوان «الطريق الدائري»، الذي لم تتضح علاقته بالأحداث إلا من خلال مشهد واحد يتم فيه تلقين الصحافي وعشيقته درساً دموياً قاسياً، ووحشياً، بينما جاءت خواطر النهاية التي يتساءل فيها الصحافي عما إذا كان قد أخطأ بإنقاذ ابنته بطريقة ملتوية، وحياته المُهددة على أيدي رجال رجل الأعمال، في مكانها، كونها تترك المشاهد مؤرقاً بالبحث عن الطريقة المثلى لتعقب الفاسدين، من دون أن يتحوَّل في النهاية إلى فاسد جديد!