ماذا بعد «الدستورية»؟!
كنت على يقين من أن حكم المحكمة الدستورية سيأتي لصالح مجلس الأمة الحالي واستمراريته، لأن مرسوم الصوت الواحد حصن في حكم سابق للمحكمة الدستورية، ما يؤكد على شرعية المجلس القائم وخلوه من الشوائب الدستورية، وإن كانت هناك بعض المثالب التي تتعلق بنزاهة وعدالة العملية الانتخابية البرلمانية الكويتية، بسبب عدم تشريع قوانين صارمة بشأن عمليات شراء الأصوات، ومنع تقديم منافع ذاتية للناخبين مقابل الحصول على أصواتهم، والأمر الأهم هو مراقبة الصرف على الحملات الانتخابية وتحديد سقف لتلك المصاريف.شرعية المجلس الحالي من الناحية الدستورية حسم أمرها، أما من الناحية الشعبية فإن الأمر مختلف، فهناك ظروف استثنائية مرت بها البلاد قبل وخلال ولادة المجلس الحالي جعلت روابطه مع الكويتيين ضعيفة، أهمها حالة الخلاف والاختلاف الشديدين بشأن مرسوم الصوت الواحد، والظروف التي أدت إلى اتخاذه، وهو الأمر الذي حسم مؤخراً لدى أغلبية المعارضين ورغبتهم في العودة إلى الحياة السياسية، إضافة إلى حالة التذمر والسخط الشعبيين اللذين تعكسهما كل المنتديات والاستفتاءات والاستبيانات تجاه المؤسسة التشريعية وأدائها، والغياب الشعبي الكبير عن التفاعل مع البرلمان وحتى الحضور المعتاد لجلساته منذ نشأته.
ولنكن أكثر وضوحاً فإنه لم يمر على الكويت برلمان بهذا الشكل يغيب عنه أي صوت معارض ذي وزن شعبي - حتى في مجلس الأمة 1967 الذي يوصم بالتزوير - رغم المشاكل الكبرى التي تعيشها البلاد حالياً على جميع الصعد، بل إن مجلس الأمة الحالي بأدائه أقرب لكونه مجلساً استشارياً.نعم مجلس الأمة الحالي شرعي، ويستطيع البقاء إلى نهاية ولايته الدستورية، لكن هناك مصالح وطنية عليا ومواءمة سياسية، واستمراره بالتركيبة الحالية وغياب الصوت الآخر سيكون ثمنه فادحاً على البلد وعلى التاريخ، والرصيد السياسي للمشاركين فيه - لمن يهتم بذلك وليس مغيباً في حصد المكاسب الذاتية - لاسيما في ظل الأحداث السياسية والاقتصادية الكبيرة التي تحيط بالبلد والمنطقة كلها، لذلك فإن تغييب الصوت المعارض الحقيقي والانعزال عن الشعب وتجاهل سخطه وغضبه مردوده بالغ السوء والخطورة.لذلك فإن القادة السياسيين الحقيقيين والتاريخيين في هذه الأوقات الحرجة التي تمر على أوطانهم يعودون إلى الناخبين ليستفتوهم مجدداً بعد انجلاء غبار المواجهات بين المتصارعين، وحالات الاختلاف الوطنية الكبرى التي تشق المجتمعات، أو يفتحوا على الأقل حواراً وطنياً شاملاً قبل الاستفتاء (الانتخابات)، لا يحتكر أحد فيه أغلبية التمثيل الشعبي أو إرادة الناس، ويكون الجميع متساوين بعيداً عن زهو المسميات والمواقع، ليذهبوا لاستفتاء الناس على مشروع خلاص وطني، الكويت أصبحت في حاجة ماسة إليه، أما الإصرار على فرض الواقع الحالي من خلال برلمان لا يعكس تباين وجهات نظر المجتمع، بل وتصارع أفكار المؤيدين والمعارضين لنهج إدارة الدولة، ستكون له نتائج وخيمة على حاضر ومستقبل الديرة.