الكتابة الإبداعية

نشر في 24-09-2014
آخر تحديث 24-09-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي أمضيت الفترة من 14- 19 سبتمبر الجاري، في جامعة "كنغستون لندن-Kingston University London" لمتابعة تحصيلي العلمي في "مادة الكتابة الإبداعية"، التي سبق أن درستها كمحاضر زائر في جامعة "أيوا-Iowa University" عام 2012، ضمن "برنامج الكتابة الإبداعية العالمي-International Writing Program". وما يلفت النظر في ورش الكتابة، هو تدريس الكتابة الإبداعية بوصفها مادةً دراسيةً ومنهجاً أكاديمياً يخضع لأصول وطرق تدريس خاصة به.

أصبحت منذ نشأة هذا العلم في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً في ولاية "أيو" علماً قائماً بذاته. وباتت المكتبات الجامعية والتجارية في أميركا وأوروبا تزخر بمئات الكتب التي تتطرق لطرق تدريس مادة الكتابة الإبداعية.

منهج "الكتابة الإبداعية" ينهض على شرطين علميين هما: تدريس الطالب عناصر وأصول الكتابة الإبداعية، في القصة والرواية والشعر والنثر، بجميع أنواعها، عبر استعراض ودراسة المئات من الكتابات الإبداعية التقليدية والتجريبية، ومن ثم محاولة النبش في عالم الطالب الخاص العلمي والعملي، وتحريك موهبته الكامنة، لتحريضه على الكتابة، في نوع يرغب بعيش عوالمه، وتدريبه على الكتابة، ومزيد من الكتابة، تحت إشراف أستاذ متخصص أو كاتب له خبرة وباع في مجال الكتابة والنشر. وهذا كله يُنجَز في حيز من تبادل الأفكار والخبرات والنقاشات المستفيضة الأدبية والفنية.

منهج الكتابة الإبداعية، لا يستبعد عنصر الموهبة الشخصية، التي كان البعض يعتقد أنها المحرك الأهم وراء الكتابة. لكنه يرى أن الموهبة تلُ نارٍ كامنة، يخبّئ بين جنباته حوادث مرحلتي الطفولة والمراهقة، وطبيعة العلاقات الأسرية التي تربى فيها الكاتب، و"كاميرة" عينٍ وقلب خفية التقطت وسجلت، بوعي ودون وعي من صاحبها، آلاف المشاهد والصور من مكونات وتفاصيل بيئته الأسرية والاجتماعية، واحتفظت بها في صندوق ذاكرة طازجة وحاضرة. إضافة إلى القراءات البكر التي حرّكت صورها خياله. على أن جميع كتّاب العالم الأكثر عبقرية، يشتركون في أنهم بدأوا حياتهم قراء، وأن عوالم وخزين تلك القراءات شكّل الزاد الأهم لمادة وعيهم وكتاباتهم لاحقاً.

الكتابة الإبداعية خيار صعب لأي طالب علمٍ في بداية حياته، وهي بقدر ما تبدو مغرية ولامعة، فإنها تخفي وراءها قدرا أكبر من الصعوبة، وأن لا شيء يروّض وحش هذه الصعوبة كما تفعل القراءة المتخصصة، والاجتهاد الشخصي، وحضور ورش كتابة عامرة بالنقاشات الموضوعية الصريحة والجريئة مع كتّاب وناشرين، مشوا في عتمة درب الكتابة وعرفوا أسراره.

خلافاً لعصور مضت، يعيش العالم اليوم عصر الكتابة الشخصية بامتياز، فكل ما حولنا يدعو للكتابة، بدءاً برسائل التلفون الشخصية، مروراً بالتعبير عن أنفسنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي مع الآخر، انتهاء بالمادة العملية والعلمية التي نحيا من خلالها. وهذا مجتمع يجعل من الكتابة الإبداعية مهارة حياتية يصعب اتقانها دون الدراسة العلمية الصحيحة.

معظم الجامعات والمعاهد العربية مازالت تدرّس الأدب وفق مناهجها التقليدية، وأظن أن اللحظة الإنسانية الراهنة، وما يلعبه الإبداع كجسر من التواصل الفكري والمعرفي والفني مع الآخر، يتطلب إعادة النظر في هذه المناهج، ومحاولة تحديثها بما يليق بكون الكتابة الإبداعية ما عادت محاولة لبث شيء من العواطف الإنسانية بقالب أدبي، لكنها دراسة متخصصة، ومغايرة لعلوم إنسانية كثيرة، كونها قد تخلق من صاحبها نجما يتبوأ مكانته في التاريخ، إلى جانب عظماء تركوا بصمة لا تمحى في مجلد سفر البشرية.

أعرف أنه ليس من السهل تخريج طبيب أو مهندس أو محاسب أو محام، لكني صرت أتيقن كل يوم من أن ولادة موهبة إبداعية واعية ومحلقة بأجنحة الكتابة أصعب من ذلك بكثير، ووحدها الأمم المحظوظة تُنجب أبناء يكونون صوتا باقياً لها.

back to top