وصلت معدلات البطالة في الولايات المتحدة إلى 5.5 في المئة، وهي معدلات منخفضة وفقاً للمقاييس التاريخية، كما أنها تهبط بسرعة، وقد انخفضت معدلات البطالة أكثر من نقطة مئوية عن مستويات سنة خلت، وتشير النظرية الاقتصادية إلى أن على العمال، في مثل هذه الظروف، التمتع بزيادات أفضل في الأجور، ومعدلات البطالة المتدنية تعني أن أرباب العمل سوف يواجهون صعوبة أكبر في العثور على عمال جدد، في حين يستطيع العمال التهديد بالانتقال إلى أماكن أخرى، ونتيجة لذلك يجب أن يتمكن العمال من المطالبة بزيادة في أجورهم.

Ad

ولكن على الرغم من ذلك، فإن الشركات في الولايات المتحدة تبدو وكأنها لم تدرك هذه الرسالة، وقد أصيبت الأجور المعدلة مع التضخم بالركود بالنسبة الى العمال النموذجيين، وفي حقيقة الأمر فإن تلك الأجور شهدت زيادة طفيفة خلال السنوات الخمس الماضية وارتفعت أجور الساعة بنسبة 2 في المئة فقط، محسوبة على أساس سنوي في شهر فبراير الماضي: أي نحو المعدل ذاته الذي كانت عليه في شهر فبراير من عام 2010، والسؤال الذي يطرح الآن هو ما سبب عدم ارتفاع الأجور في الولايات المتحدة بحيث يواكب هبوط معدلات البطالة؟

ومن أجل فهم النماذج الحالية يتعين على المرء أولاً أن يتذكر كيف تصرفت الشركات الأميركية في فترة الركود من 2007 إلى 2009، وفي ذلك الوقت كانت تلك الشركات تسعى بصورة يائسة الى خفض التكلفة وأجور موظفيها. ولكن ذلك الإجراء أكثر صعوبة مما قد يبدو عليه (تخيل ماذا ستكون حال مكان العمل من ناحية معنوية إذا قرر رب العمل خفض الأجور بنسبة 10 في المئة بين عشية وضحاها)، ولكن أرباب العمل عمدوا بدلاً من ذلك إلى طرد أكبر عدد ممكن من العمال، وكانت البداية في أوساط العمال الأقل إنتاجية، وفي غضون ذلك تعرض العمال الأفضل إلى ضغوط بغية تحسين إنتاجهم.

ومع تحسن الأوضاع بعد انتهاء فترة الركود استمرت الأجور على ما هي عليه، وبدلاً من محاولة تحقيق إنتاجية زائدة من العمال فضلت الشركات العودة إلى أوضاع إدارة عادية بقدر أكبر، وترك الأجور العالية تتكيف بمرور الوقت: خفض الأجور تحقق ببساطة من خلال عدم إعطاء زيادات، وبكلمات أخرى فإن الأجور لم ترتفع لأنها في العديد من الحالات كانت عالية جداً في الأساس.

وعلى الرغم من ذلك توجد أدلة أيضاً على أن العديد من العمال لم يطالبوا بأجور عالية، ومن المفارقة أن ذلك قد يرجع إلى إصلاح شهدته خطة تأمين البطالة في أميركا في نهاية سنة 2013، والذي قلص الحد الأقصى الذي يستطيع المواطن الأميركي فيه الحصول على إعانات بطالة، وقد تأثر بذلك نحو 1.3 مليون عامل أميركي على الفور، ومع عدم وجود ما يمكن التعويل عليه هبطت توقعات الأجور بالنسبة إلى العديد من العاطلين عن العمل. وفي التعبير الاقتصادي فإن "أجر الاحتفاظ" أو عتبة الأجر اللازم لإبقائهم في العمل هبطت بصورة سريعة.

 وبغية الاستفادة من الزيادة الحاصلة في العمالة الرخيصة توجه أرباب العمل في بعض القطاعات الى تشغيل المزيد من العمال، وفي حقيقة الأمر فإن شريحة كبيرة من الوظائف الإضافية التي خلقت وبلغت 3 ملايين وظيفة خلال سنة 2014 كانت في قطاعات الأجور المتدنية.

وعلى أي حال يظل السبب الأكبر وراء ركود الأجور هو العنصر الذي ساد طوال معظم فترات التاريخ الحديث: سوق العمل الواهن والضعيف في الولايات المتحدة. صحيح أن معدلات البطالة متدنية ولكن الإجراءات الأخرى في سوق العمل ترسم صورة قاتمة بقدر أكبر، كما أن عدد العاملين من غير المتفرغين والذين يعملون مثل متفرغين "لأسباب اقتصادية" يفوق كثيراً العدد الذي كان سائداً خلال فترة ما قبل الركود الأخير.

وأظهرت دراسة صدرت حديثاً عن بنك الاحتياط الفدرالي في شيكاغو أن العمال غير المتفرغين المشار اليهم يؤثرون بشدة في زيادة الأجور، ومن هذا المنطلق يتعين على صناع السياسة عدم الانخداع بمعدلات البطالة، وأسواق العمل الأميركية أكثر قوة مما كانت عليه ولكنها تبعد كثيراً عن التعافي التام، وسوف يتطلب تحقيق نمو في الأجور العديد من الأشهر من النمو القوي في فرص العمل.