كمبيوتر خارق يتخطّى المعرفة البشرية
في شهر مايو من السنة الماضية، قرأ كمبيوتر خارق في سان خوسي في ولاية كاليفورنيا الأميركية مئة ألف بحث في ساعتين. فاكتشف علم أحياء جديداً مخبأ داخل هذه البيانات. يُعتبر هذا الكمبيوتر الذي يُدعى KnIT أحد أنظمة قليلة تسعى إلى تخطي حدود المعرفة من دون مساعدة بشرية.
لم يقرأ كمبيوتر KnIT الأبحاث كأي عالم عادي، فهذا يتطلب سنوات طويلة. بدلاً من ذلك، بحث عن معلومات حول بروتين يُدعى p53 وصنف من إنزيمات تتفاعل معه وتُدعى كيناز. يكبح p53، الذي يُعرف أيضاً بـ{حارس الجينوم}، الأورام لدى البشر. فتصفح KnIT هذه الأبحاث ليعثر على روابط تشير إلى أنواع من كيناز p53 لم تُكتشف، ما يفتح الطريق أمام علاجات سرطان جديدة.بعدما حلل تقارير تعود إلى عام 2003، حدد KnIT سبعة من تسعة من أنواع الكيناز التي اكتُشفت خلال السنوات العشر التالية. والأهم من ذلك أنه عثر، على ما يبدو، على نوعين من كيناز p53 يجهلهما العلم. وأكدت الاختبارات المخبرية الأولية هذه الاكتشافات، مع أن الفريق أراد تكرار التجربة للتأكد.ولد KnIT نتيجة تعاون بين IBM وكلية بايلور للطب في هيوستن في تكساس. ويشكل الخطوة الأخيرة في عالم تقوم فيه آلات مستقلة باكتشافات تتخطى مقدرة العلماء، وذلك بالبحث بدقة أكبر في ما نعرفه مسبقاً بطريقة تفوق قدرات أي إنسان.سد النواقصيفيد الباحثون في تقرير قدموه في مؤتمر اكتشاف المعرفة والتنقيب عن البيانات في نيويورك أن المجتمع العلمي يبرع في إنتاج المعلومات الجديدة أكثر منه في تحليل ما هو متوافر بين يديه. ويضيفون: {يقود هذا إلى نواقص كبيرة في ترجمة الأبحاث إلى تقدّم بالنسبة إلى البشرية}. ويهدف KnIT إلى سد هذه النواقص. يوضح أوليفيه ليشتارج، الذي يرأس العمل في بايلور: {تُكتشف أنواع كيناز p53 عموماً بمعدل واحد كل سنة. لكننا نأمل أن نسرع معدل اكتشافها هذا}.تُعتبر دراسة أنواع الكيناز بالغة الأهمية في أبحاث السرطان، إلا أن فريق بايلور يعتقد أن هذه المقاربة قد تتخطى الدراسات الحيوية-الطبية لتشمل مجالات العلم كافة. وإذا تبرهنت صحة اكتشافات برنامج KnIT، فستشير بالتأكيد نحو مستقبل يحصل فيه الجميع على برامج إلكترونية خاصة تتصفح المنشورات العلمية وتحللها للتوصل إلى علاجات، بما فيها علاجات تُعدّ على المستوى الجيني. لكن توسيع KnIT ليشمل مجالات أخرى في عالم الأحياء والفيزياء ليس بالأمر السهل. يذكر ليشتارج: {قد نصادف مشاكل كبيرة عندما نحاول تعميم تجربتنا هذه لتشمل عدداً أكبر من البروتينات والجينات. وفي مواضيع مثل الفيزياء، تُقدَّم النتائج عادة باستخدام معادلات ورسوم بيانية لا كلمات. لكن مجموعة التنقيب عن البيانات تعمل راهناً على استمداد المعلومات من هذه أيضاً.كان عالِم المعلوماتية دون سوانسون من جامعة شيكاغو عام 1986 أول مَن طرح فكرة إمكان التوصل إلى معرفة جديدة باكتشاف الروابط بين مجموعات منفصلة من الأبحاث. فقد حلل يدوياً قاعدة بيانات تحتوي على عدد كبير من المنشورات العلمية ليستخلص أن زيت السمك قد يكون علاجاً جيداً لمتلازمة رينو، اضطراب يرتبط بالدورة الدموية، لأن الدراسات أظهرت أن زيت السمك يستطيع أن يعكس بعض الحالات التي ترافق المتلازمة. وتبين أن حدسه كان مصيباً.قدّم لنا العلم الحديث كمية أكبر وأكثر تعقيداً من المعلومات مقارنة بما تناوله سوانسون. لكن الذكاء الآلي يتولى اليوم البحث فيها للتوصل إلى روابط جديدة.دواء للملارياطوّر روس كينغ من جامعة مانشستر نوعاً مختلفاً من الأنظمة الآلية يُدعى إيف يزعم أنه قد اكتشف دواء جديداً للملاريا. فبدل استخلاص معرفة جديدة من المنشورات، يجري إيف تجارب مخبرية آلياً تركز على اكتشاف أدوية جديدة لمعالجة أمراض مهمَلة. ويبقي كينغ اكتشافه هذا سراً إلى أن ينشر عمله. إلا أنه يؤكد أن هذا المكون مركب يتوافر في عدد من أنواع معجون تنظيف الأسنان.تُعتبر شبكات المعرفة التي تبتكرها جهود الاكتشاف الآلية هذه مفيدة أيضاً لغير العلماء. على سبيل المثال، تعمل صوفيا أنانيادو من جامعة مانشستر على Facta+، قاعدة بيانات تُستخدم في عمليات البحث وتضم كماً كبيراً من المعلومات عن السرطان يستند إلى بيانات مستقاة من المنشورات. صحيح أن قاعدة البيانات مصممة لمساعدة الباحثين، غير أن أنانيادو تقول إن الناس العاديين يستطيعون استخدامها بغية توسيع اطلاعهم على الأمراض التي يعانونها، من دون أن يُضطروا هم بأنفسهم إلى قراءة أبحاث علمية.من الممكن أيضاً عكس هدف التنقيب عن البيانات. فبدل العثور على معلومات جديدة عن مواضيع محددة، تستطيع أنظمة مثل KnIT تحديد ثغرات في أبحاث قائمة، ثغرات تحتاج إلى سد.تعمل ناتازا ميسكوف زيفانوف من جامعة كارنيغي مولون على استخدام تقنيات مماثلة بهدف بناء نماذج إلكترونية لخلايا يمكن استخدامها في اختبار الأدوية. يستغرق تطوير النماذج عادةً وقتاً طويلاً ويعتمد على بيانات من علماء أحياء اختبارية ومنظرين. لكن نماذج ميسكوف زيفانوف تطور نفسها تلقائياً وبسرعة معتمدة على نتائج منشورات. تتابع ميسكوف زيفانوف موضحةً: {يستغرق تطوير نموذج جيد لما يحدث في الخلية سنوات عدة. إلا أن ما نقوم به قد يسرّع هذه العملية كثيراً}. وسيسرع هذا بدوره اختبار الأدوية.علاوة على ذلك، من الممكن تحقيق إنجازات جديدة بتحليل منشورات علمية من مجالات مختلفة، على سبيل المثال الفيزياء على مستوى الخلايا والبيولوجيا الجزيئية. يذكر كينغ: {لا أعتقد أننا نستطيع فهم هذه الأحجية الضخمة المعقدة من دون مساعدة آلية. فلا يضم العالم عدداً كافياً من حملة شهادة الدكتوراه لإجراء التجارب الضرورية}.