نقولا الأسطا: أهمية الفنان مرتبطة بعدد معجبيه و{اللايكات»

نشر في 08-06-2015 | 00:02
آخر تحديث 08-06-2015 | 00:02
No Image Caption
منذ انطلاقته اتكل الفنان نقولا الأسطا على استقلاليته الإنتاجية ما جعله يغيب عن بعض الحفلات الصاخبة ليحافظ، في المقابل، على جمهور أحبّ لونه الكلاسيكي الراقي وانتظره في أعمالٍ تحاكي القلب والإحساس، فتصدّرت أغنيته الجديدة {هيدي قصتنا} المراتب الأولى في الإذاعات، ويستعدّ لإحياء مهرجانات صيفية في لبنان فضلا عن تكريمه قريباً من قبل مؤسسات اجتماعية.
عن ألبومه المرتقب وأعماله الفنيّة تحدث إلى {الجريدة}.
ما سر نجاح «هيدي قصتنا» (كلمات جهاد حدشيتي وألحانه، توزيع وليد قبلان)؟

 

منذ عُرضت الأغنية عليّ شعرت بأنها ستحاكي نسبة كبيرة من الناس، لأن موضوعها يتناول الخصام  بين شخصين ومن ثم تصالحهما، رغم المشكلات التي يمكن أن تعترضهما، هي باختصار لمسة حب وتسامح. فضلا عن أنها أغنية صعبة فنيّاً ومستواها عالٍ، سواء من ناحية الألحان أو الكلمات أو التوزيع، مقارنة مع الاستسهال الفنيّ السائد حالياً والمعتمد على إيقاع الرقص، لذا لم أتوقع أن تحصد هذا النجاح الكبير.

 

ألا يحنّ الجمهور إلى اللون الكلاسيكي في ظل طفرة الأغاني الإيقاعية الصاخبة؟

 

طبعاً، خصوصاً أن قلّة هي الأصوات التي يمكن أن تؤدي هذا اللون الغنائي الذي يمسّ، بإحساسه، قلب الجمهور ويصل بصدق إليه. للأسف أصبح مقياس الأغاني مرتبطاً بمدى قدرتها على «توليع الجو» بغضّ النظر عن المضمون. والمفارقة أن «هيدي قصتنا» نافست على المرتبة الأولى وكسبت الرهان، فليت المنافسة على المراتب الأولى تكون دائماً عند هذا المستوى الراقي من الأعمال.

 

كيف تفسّر طغيان الأغاني الإيقاعية على الأغاني الكلاسيكية؟

 

طالما أن السوق الغنائية مفتوحة على بعضها البعض، تؤثر السهرات الصاخبة في علب الليل على الخيارات الفنيّة، أي أنها تسيّر خيار الفنان نحو الأغنية الصاخبة الإيقاعية التي يستطيع أداءها في المهرجانات أو في الحفلات إرضاء للجمهور، ما أدى إلى تغييب اللون الطربي الشعبي الجميل وانقسام الخيارات الفنية بين اللونين، إمّا الكلاسيكي الصرف أو الإيقاعي الصاخب. شخصياً، لا أقدّم سوى ما يليق بصوتي الذي أتوّجه من خلاله إلى الناس، كوني أحمل عبر فنّي رسالة، وإن اتُهمت أحياناً بالكلاسيكية، علماً أنني أؤدي المواويل في الحفلات والمهرجانات والأغاني الشعبية الطربية التي تضفي جوّاً راقصاً على السهرة. مع الإشارة إلى أن بعض الفنانين يسعون، مثلي،  إلى تقديم فن لائق وجميل لا يتناول قضايا تمسّ جوهر المرأة أو الرجل بكلام سفيه، لذا أتمنى أن نشكل، معاً، سنداً أمام انهيار تراثنا. 

 

ألا يمكن الجمع بين الأصالة والعصرية؟

 

هذا ما نقوم به فعلا، إنما ثمة مشكلة على صعيدي الإنتاج والتسويق،  فقد أصبح تسويق الأغنية في الإذاعات أو الفضائيات مكلفاً في ظل رؤوس الأموال الغريبة عن الفنّ التي تستثمر في هذا الإطار، وتسيطر على هذا المجال ضاربة المستوى الفنّي.

 

لكنك متحرّر من سلطة رؤوس الأموال طالما أنك تُنتج أعمالك.

 

لكل شيء ثمنه في الحياة. صحيح أن تحرّري نعمة ولا يستطيع أحد أن يفرض عليّ شيئاً أو القول إنه أطلقني فنياً، إنما يحتاج الفنان المستقل، رغم حضوره ومحبة الناس، إلى مضاعفة جهده للمشاركة في الاستحقاقات الكبيرة، أي في المهرجانات والحفلات التي تقرر فيها شركات معيّنة هوية الفنانين ممن يعملون معها. هذا هو الثمن الذي أدفعه مقابل عنفواني والاستقلالية التي أتمتع بها. 

 

هل تعبّر الأغنية عن هوية الفنان وطريقة تفكيره؟

 

ليس بالضرورة، أتخلّى أحياناً عن  قناعاتي لتقديم أغنية تتماهى مع السوق مثلما حصل معي سابقاً، إنما المهم المحافظة على النعمة التي وهبنا إياها الله، وعلى مسلكية معيّنة، وعلى خامة صوتية. برأيي يجب أن تكون الأغنية ملائمة لخامة الصوت، فعندما قدّمت أغنية «حقوق الرجال»، مع أنها مهضومة تحاكي جمهوراً معيّناً إلا أنني مختلف عن الفنان محمد اسكندر الذي يليق به هذا النوع من الأغاني، فيما يصدّقني الناس أكثر في الأغنية التي تمسّ القلب والأقرب إلى الكلاسيكية.  الصوت هو الذي يسيّر الفنان الذي يجب أن يختار ما يليق به ليصل فنّه بصدق إلى الجمهور.

 

ألا يسيّر الجمهور خيارات الفنّان؟

 

برأيي، لا يجوز أن يفرض الجمهور خيارات معيّنة على الفنان، لكنني أشعر أن الجمهور الذي أحبه وأحترمه يصفّق لعبد الوهاب ووديع الصافي كما يصفّق لي ولسواي وصولا إلى أسفل الهرم، أي أنه يصفّق للإسفاف، أيضاً، سواء على صعيد الكلام أو على صعيد الابتذال الذي نشهده في بعض البرامج التلفزيونية. لذا يجب إمّا إعادة الحسابات في التماشي مع هذا الواقع أو المحافظة على قناعة ذاتية لإيصال فننا بطريقة صحيحة إلى الجمهور وهذا ما أفعله شخصياً.

 

إنما بعضهم يتكّل على هذا الإسفاف لبلوغ النجومية.

 

لم تعد عملية التقويم وتوزيع الأولويات في الإعلام والمناصب ترتكز على الموهبة والأعمال الجميلة، إنما على مستوى العلاقات العامة التي يقوم بها الفنان. الفنون واجهة الحضارات وواجهة الوطن، لذا نتمنى أن تكون الكفاءة هي المعيار في الفنّ كما في الوظائف والمسؤوليات. 

 

ما دور الإعلام في هذا الإطار؟

 

في ظل توافر فضائيات ومحطات إعلامية وإعلانية، أصبح هؤلاء يبحثون عن التميّز والاختلاف، لكن المختلف الجيّد بات قليلاً جداً، لذا يسلطون الضوء على أي شيء بهدف كسب الإعلانات وإن دخلوا المحظور، من هنا نلاحظ أن البرامج التي تتضمن شتماً أو أي أمر سفيه تحصد نسبة مشاهدين مرتفعة. 

 

ألا تؤدي مواقع التواصل الاجتماعي دوراً في التسويق أيضاً؟

 

أصبح معيار أهمية الفنان مرتبطاً، للأسف، بعدد معجبيه و{اللايكات» على صفحات التواصل الاجتماعي، وسيطرت  الرقمية على آراء الناس وكيفية تقييمهم للفنان، من دون أن يدرك هؤلاء أن ثمة مفاتيح معيّنة للتحكم بهذه الأرقام، تهدف إلى عملية تجارية مالية تستفيد منها جهة واحدة تشوّه السيرة الإنسانية الطبيعية وثوابت الحياة المرتبطة بالإحساس، مثل اللمس والكلام غير المتوافريْن مع رقميات هذا العصر. 

 

هل ينطبق هذا الواقع على الفنّ في العالم العربي أيضاً؟

 

لا يشبه لبنان أي بلد آخر في انفتاحه وقمّة رقيّ مؤسساته، وتنوّعه، وهو باحة إعلامية في العالم العربي، وقد غنّى الفنان اللبناني بلهجات عربية عدّة، كما أمّ مطربون عرب وطننا  لينطلقوا مجدداً منه ويحققوا الانتشار الأوسع.  لذا يجب إدراك قيمة الفنان اللبناني والمحافظة عليه، كونه سفيراً مباشراً لوطنه. للأسف ثمة انحطاط راهناً في  تسمية السفراء الفنيين لارتكازها على التسويق الإعلامي البحت. 

 

متى إصدار الألبوم الجديد؟

 

أصبح جاهزاً في انتظار اللمسات الأخيرة على التصميم الخارجي، مبدئياً سيصدر بالتزامن مع عيد الفطر، ويضمّ 8 أو 9 أغنيات قدمتها سابقاً مثل: «زايد حلاكي»، «ما تغيّرت»، «بحياتي»، «لو مهما صار» لذا سيكون مزيجاً بين الأغاني الكلاسيكية والشعبية والوطنية والاغترابية.

 

تعاونت مجدداً مع المخرج جورج بو عبدو في تصوير «هيدي قصتنا»، بأي صورة يُظهرك؟

 

ثمة تنسيق وتفاهم مشترك بيننا على نوعية العمل، وهو مبدع استطعنا معاً تقديم صورة جميلة في كليب «هيدي قصتنا»، وقد أظهرنا إحساساً عالياً من الحب بصورة لائقة ومحترمة لا تخدش النظر. أنا والد فتاتين لذا أعمل دائماً على المحافظة على صورتي اللائقة لديهما وأن أكون موضع تقدير لدى الناس المحيطين بهما.

 

ما نشاطاتك الصيفية المرتقبة؟

 

لدي حفلات ومهرجانات في لبنان، فضلا عن تكريم مسيرتي الفنية من قبل عدد من المؤسسات الاجتماعية. على أن أجول بعدها في دول الاغتراب، مثل أريزونا ولوس أنجليس وبوسطن ومونتريال وأوتاوا وغيرها من الدول.

تجديد أغان قديمة

 

هل يلفتك صوت أحد الفنانين الشباب؟

 

لن أسمّي أحداً لأن ثمة أصواتاً كثيرة رائعة، إنما من المهم أن يدرك أصحابها كيفية اختيار أعمالهم من دون تغيير مسار طبيعة صوتهم من أجل موجة فنية عابرة، فليعطوا صوتهم حقّه ولا يكونوا أسرى الموضة. 

 

جدّد بعض الفنانين أغاني قديمة، لماذا لم تجدد للكبار وديع الصافي أو زكي ناصيف طالما أنك تتمتع بخامة صوتية ملائمة؟

 

يمكن وضع  تجديد الأغاني إلى حدّ ما في خانة الإفلاس على صعيد الجديد. برأيي من يريد صناعة شخصيته الفنيّة يجب أن يقدّم أعمالا خاصة به يختبر من خلالها ما يليق به للثبات عليها والاستمرار فيها. ثمة أسماء فنية كثيرة انطلقت من أداء أغنيات لسواها وحققت النجاح والانتشار. هذا العصر برأيي هو إستكمال لكل العصور الفنية السابقة، وطالما أن الوسيلة الأسهل للوصول إلى الناس هي عبر أغنية ماثلة في ضميرهم، فهذا إثبات على أن أياً من الأغنيات الجديدة لا يستمر في ضمير الناس لهذا يتسلّقون على الأغاني القديمة لإثبات حضورهم.

 

إنما تميّزت الأغاني  في الماضي بكلمات شعرية جميلة.

 

هذا عصر ظالم لكل ما هو جيّد، خصوصاً أن عملية التسويق باتت سريعة أسوة بسرعة العصر، وفي ظل طفرة الفنانين، ذهب الصالح مع الطالح. رغم توافر شعراء مبدعين ومستويات فنية عالية جداً، إلا أننا أصبحنا نطلب التخفيف من الصور الشعرية الجميلة لمواكبة العصر ومتطلباته.

back to top