لا يمكن النظر إلى ما يجري في اليمن باعتباره حرباً بين الشيعة والسنة، لأننا إذا وسّعنا زاوية الرؤية قليلاً رأينا أن إيران تتحرك في الدول المحيطة لتوسيع إمبراطوريتها الفارسية، هي حرب إمبراطوريات إذن في شكلها الجديد، تماماً كما كانت تسعى تركيا ـ بذراع تسمى الإخوان ـ لتوسيع إمبراطوريتها العثمانية وفرض سيطرتها على المنطقة، تسعى إيران في المقابل إلى توسيع إمبراطوريتها عبر أذرع مختلفة، مرة في لبنان وسورية باستخدام «حزب الله»، ومرة في العراق باستخدام ميليشياتها هناك، ومرة في اليمن باستخدام الحوثيين.
ربما تبدو الطائفية هي السمة الظاهرة لمن لا يجيدون قراءة الأمور جيداً، لكن الحقيقة تقول إنها حرب نفوذ وحرب سيطرة، وحرب بناء إمبراطوريات جديدة، وقد اعترف مسؤولون إيرانيون بهذا، وقالوا إن طهران صارت تحكم أربع عواصم عربية، يقصدون بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء.وعندما تدخل مصر المعركة في اليمن، فهي لا تورط نفسها في صراع بعيد عنها، بل صارت جزءاً من الصراع رغماً عنها، فكما لا يتجزأ العدوان الداعشي على العراق عن العدوان الداعشي في ليبيا، وكما لا يتجزأ الإرهاب بتسمياته المختلفة في سيناء عن ذلك الذي يوجد في دول أخرى تغذيه دول معادية، لا يمكن اعتبار معركة اليمن بعيدة عن مصر، لأنها هذه المرة ترتبط بالأمن القومي مباشرة، بسبب سعي إيران لتوسيع إمبراطوريتها الفارسية وصولاً إلى باب المندب والسيطرة على الملاحة في البحر الأحمر، ولهذا سارعت مصر بإرسال مقاتلاتها البحرية إلى باب المندب لحفظ الأمن هناك.ولمن لا يعرف أهمية مضيق باب المندب، فإن أية محاولة لإغلاقه من الحوثيين فإنها ستؤثر على قناة السويس، كما ستمنع وصول السفن إلى قناة السويس، فضلاً عن قناة السويس الجديدة المزمع افتتاحها بعد شهور، وعشرات المشروعات التنموية التي تراهن مصر عليها لإعادة بناء اقتصادها الذي تضرر خلال السنوات الأربع الماضية، وربما لهذا كله يمكننا أن نفهم سرعة التحرك المصري، لحماية باب المندب من أي عدوان عليه. لكن الأمر يتجاوز الأمن القومي المصري الخاص بباب المندب، إلى الأمن القومي العربي الذي يرتبط بشدة ارتباطاً وثيقاً بالأمن المصري، وهو ما كرره الرئيس عبدالفتاح السيسي مراراً من قبل بقوله إن أمن الخليج جزء من الأمن القومي المصري، وإنه خط أحمر. لذا لا يمكن أن نصدق ما يريد أن يروجه البعض من أن هناك حرباً دينية، بين السنة والشيعة وأن مصر ستتورط فيها، وهو كلام بعيد كل البعد عن الحقيقة، فالجميع يعرف أن مصر تحترم الاختلاف، وأن أهل مصر يقدرون آل البيت، ويمكن لجولة بسيطة في شوارع القاهرة، لكي تدرك عدد المساجد المسماة بأسماء أهل البيت، وعدد الموالد الشعبية التي تقام لهم سنوياً، والتي يحضرها الملايين، وهو ما يخلق حالة مصرية خاصة يمكن التماسها في الإسلام الوسطي الذي يتمسك به جميع المصريين، بعيداً عن التحزب والطائفية والتشيع، والاقتتال بسبب مذهب ديني أياً كان.والخطر في التمدد الإيراني في المنطقة، ليس من الشيعة كمذهب، بل من الاستخدام السياسي للمذهب، وهو ما نرى ملامحه في سورية، والعراق، حيث يتم استهداف المراقد الدينية على أساس طائفي، وهو ما يفعله بالمناسبة تنظيم داعش، لذا لا يمكن اعتبار الحوثيين، وداعش إلا وجهين لعملة واحدة، كل منهما يدّعي امتلاكه الدين، وأنه يحارب للدين، في حين أنه لا يستعمله إلا كستار يخفي وراءه أهدافه الحقيقية ومطامعه الحقيقية، وهي تقسيم هذه المنطقة وإعادة رسمها من جديد، وفق أهداف عالمية تحرك أوهام بإمبراطوريات وهمية مضى زمنها، عبر استخدام الدين كأداة سهلة لجذب المغيبين. مصر تعرف أمنها القومي جيداً وتحافظ عليه، وتغلق كل الأبواب التي يمكن أن تهدد مستقبلها، وتقف ضد تمدد قوى إقليمية إلى مناطق تهدد الآخرين، وهذه معركة جديدة للإعلام يجب عليه أن يخوضها وألا يترك الأبواب الخلفية مفتوحة، كي يدخل منها أنصار التيارات الإسلامية المتشددة لكي يوهموا الناس بعكس ذلك.
أخر كلام
الحوثي و«داعش»... عملة واحدة
04-04-2015