كشفت الأرقام في الأسبوع الماضي في الصين عن تباطؤ حاد في النمو مع استقرار معدل التضخم نتيجة تأثر الاقتصاد بانكماش الميدان العقاري والانتاج الصناعي الى أدنى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

Ad

وفي الربع الأول من العام الحالي ارتفع الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 7 في المئة (فقط) على أساس سنوي، وقد يكون النمو في هذا العام هو الأضعف في 25 سنة.

ويتمثل الخوف في احتمال انهيار الصين بعد ثلاثة عقود من التقدم وهو ما يشكل كارثة لأن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم والقوة الصاعدة في آسيا، ولحسن الحظ فات أمر ما على المتشائمين يتمثل في أنها أكثر قوة على الصعيد الاقتصادي كما انها تشرع في ثورة مالية هادئة.

وتكمن قوة الصين في 7 أعمدة، كما أن معظم ديونها محلية ولديها المقومات الكافية لمنع الدائنين والمدينين من الشعور بالهلع، كما أن البلاد تتحول نحو الاستهلاك مع الابتعاد عن الاستثمار، وهو ما يضع الاقتصاد على أرضية أكثر استقراراً. وبفضل الانتعاش في قطاع الخدمات تمكنت الصين من خلق أكثر من 13 مليون وظيفة جديدة حضرية في السنة الماضية، وهو سجل يجعل التباطؤ أكثر تحملاً، وفي ضوء الاقتصاد الصيني الضخم فإن النمو المتوقع لهذه السنة عند 7 في المئة سوف يسهم في تحسين الاقتصاد العالمي بأكثر من 14 في المئة كما حدث في عام 2007.

وعلى أي حال، فإن الجانب المهم يتمثل في عملية الإصلاح في الصين، حيث تعمل الحكومة في ثلاث مناطق حيوية: الأولى هي التمويل حيث شرعت في تخفيف الرقابة على معدلات الفائدة وتدفق رأس المال الى الخارج، وكانت تكلفة الائتمان منذ زمن طويل متدنية بصورة اصطناعية ما أفضى الى زيادة الاستثمارات، وغدت الحدود على معدلات الايداع غير ذات صلة، بفضل التفجر في بدائل الحسابات المصرفية التي تجذب الآن ثلث توفير العائلات تقريبا. وقال حاكم البنك المركزي الصيني إن ثمة "امكانية كبيرة" في تحقيق تحرير تام لمعدلات الفائدة بحلول نهاية هذه السنة.

كما أن اليوان أصبح أكثر مرونة وأصبح بوسع الشركات المتعددة الجنسية نقل رأس المال إلى الخارج بطريقة أكثر سهولة من الماضي، ويتعين تصميم الحكومة على دفع صندوق النقد الدولي إلى الاعتراف باليوان عملة قابلة للتحويل قبل نهاية عام 2015 أن يفضي الى خطوات أكثر جرأة.

المنطقة الثانية تتمثل في النقد، حيث منحت الإصلاحات في مطلع تسعينيات القرن الماضي الحكومات المحلية مسؤولية أوسع في ما يتعلق بالإنفاق، ولكن مع قدر أقل من الدخل، وتنبع مشكلة الصين في الاستثمارات الكبيرة من هذه الغلطة، كما أن المدن اعتمدت على بيع الأراضي من أجل تمويل عملياتها وانهمكت في خطوات متسرعة في الاقتراض.

وتقول وزارة المالية الصينية الآن إنها ستحل هذا الإشكال بحلول عام 2020، وسوف تقوم بتحويل الأموال الى الأقاليم، وخاصة للأهداف الاجتماعية، بينما تحصل الحكومات المحلية على مزيد من عوائد الضرائب، في وقت تم اطلاق برنامج يهدف الى تسوية ديون الحكومات المحلية.

المنطقة الثالثة هي الجانب الإداري، ففي مطلع عام 2013 وفي بداية عمله رئيساً للوزراء تعهد "لي كيكيانغ" بخفض الاجراءات الروتينية وجعل الحياة أكثر سهولة بالنسبة الى الشركات الخاصة. وقد شهدت الصين طفرة في عدد الشركات الخاصة حيث ارتفع الى 3.6 ملايين في السنة الماضية أي حوالي ضعف عدد عام 2012.

وسوف تفضي هذه الإصلاحات الى استخدام رأس المال بصورة اكثر فعالية، وسوف تقوم جهات الاقراض بتسعير الأخطار بشكل اكثر دقة، وإذا تحقق ذلك فسوف يتباطأ الاقتصاد الصيني ولكن من دون تحطيم النظام.

ولكن الأخطار تستمر على الرغم من ذلك، إذ يهدد التحرير بتوليد عدم الاستقرار، فعندما قامت دول مثل تايلند وكوريا الجنوبية بإلغاء الرقابة على رأس المال في تسعينيات القرن الماضي ارتفعت فيها أسعار الأصول والديون الخارجية، وأفضت في نهاية المطاف الى أزمات مصرفية، وصحيح أن لدى بكين دفاعات أقوى ولكن الاقتراض الخارجي يرتفع كما أن سوق الأسهم ارتفع بنسبة ثلاثة أرباع في ستة أشهر.

ثم يأتي دور السياسة، إذ تتمتع الإصلاحات الاقتصادية بدعم عالي المستوى، وعلى الرغم من ذلك فإن حملة مكافحة الفساد التي أعلنها الرئيس الصيني تعني عيش المسؤولين في خوف من التعرض للتحقيق.

وهذا جانب مهم لأن الإصلاح يتطلب في النهاية وضع حد لنظام تسجيل العائلات الذي يخفض مرتبة حوالي 300 مليون شخص هاجروا من الأرياف الى المدن الى الدرجة الثانية ويعوق قدرتهم على الاستهلاك، وبالمثل فإن المزارعين في حاجة الى حقوق لبيع بيوتهم وأراضيهم وإلا فلن يتمكنوا من المشاركة في عملية التحول في الصين.