نجحت هولندا في تنفيذ متحف {كوربوس} أو جسد الإنسان، والذي يمثل رحلة داخل جسم الإنسان، يعرض أدق تفاصيل الأعضاء بشكل مجسم، افتتح عام 2008. كذلك تتفرد تركيا بـ {متحف الشعر}، والذي أنشأه صانع خزف تركي، ويحوي أكثر من 16 ألف عينة على كل منها دوِّن اسم صاحبتها، بالإضافة إلى متحف التعذيب في أمستردام الذي حاز شعبية خاصة، ويحتوي على أدوات تعذيب قديمة جُمعت من أنحاء أوروبا وأبشع الآلات التي استخدمت في انتزاع الاعترافات من الضحايا.

Ad

يقول محمد فاروق القائم بأعمال مدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي إن القيمين على أمر متاحف غرائبية يريدون أن يصدموا المشاهدين للوهلة الأولى، بأعمال فنية تجمع بين الحقيقة والخيال في نسق سريالي خارج عن المألوف والمتعارف عليه، وأن الأمر مرتبط {ببعد تاريخي} يعود إلى تأثر الفن بالحركات الثورية السياسية والاجتماعية. من ثم، لجأت مدارس فنية وثقافية إلى {كسر الأنماط} التقليدية عن الإبداع .

ويضيف فاروق أن تلك المتاحف {جزء من كل} لحركات انتشرت عبر العالم وغيرت في ثوابت الفنون البصرية والأدب والموسيقى والتراث الإنساني، الذي يضم المتاحف والمعارض الثقافية والفنية، وأن الخروج عن السائد في ما تجمعه تلك المتاحف من أشياء نادرة وقيمة يعكس رغبة في إطلاق الأفكار المكبوتة والتصورات الخيالية عبر مقتنيات غير مألوفة .

واختتم بأن أصحاب هذه المقتنيات يعمدون إلى منح الجمهور فرصة لتذوق أعمال مختلفة تكون مدعاة للدهشة والتساؤل، وأن العامل الربحي يتحكَّم أيضاً في ظهور مثل هذه الأعمال إلى النور، فالجمهور لن ينجذب إلى زيارات عادية لمتاحف واقعية للغاية وإنما سيتهافت إلى رؤية متحف من الرمال أو المومياوات أو أعضاء الحيوانات المنقرضة، فتلك الأماكن تجذب الانتباه من كل حدب وصوب .

ويرى عضو الاتحاد العام للآثاريين العرب عبد الرحيم حنفي أن أي متاحف توثق لمقتنيات كالحيوانات المحتضرة أو الحشرات والجماجم تكون دوماً {مثيرة للجدل}، ولا تستوفي شروط أن تكون {أعمالاً ذات أبعاد ثقافية وفنية} واضحة، فقد واجهت هذه المعارض في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين انتقادات بأنها {بعيدة عن أسس الفن}، ولا تتمتع بـ{طابع ثقافي}، ويركز أصحابها وزائروها على القطع الغرائبية المصنوعة بشكل صادم ومخيف ولن تؤثر في تاريخ الفن والثقافة.

ويعتبر حنفي أن تلك المتاحف {تطرف} في الفن الحداثي المعاصر والاتجاهات الحديثة الناشئة فيه، والتي بدأ الشغف بها ينتقل إلى عالمنا العربي عقب إقامة قطر مثل هذه المتاحف لفنانين آسيويين قدموا معارض غريبة لأنواع مختلفة من السمك الميت والمتخذ وضعية {العائم} في صناديق زجاجية مليئة بالمواد الحافظة، أو معروضات أخرى توثق لغرف مختلفة تتراص فيها مجموعة أدوية بتسلسل يسرد مفهومي الحياة والموت على جدران الغرف المرتفعة، مشدداً على أن الفن يعبر عن العقائد والقيم والمبادئ في مجتمع ما. ولكن إثارة {الانطباعات الغرائبية} لا تمت إلى مجتمعاتنا بصلة أمر لا أشجعه.

ويرى وكيل كلية الفنون الجميلة في المنيا أحمد عاشور أنه بالنظر إلى المتاحف المصرية فإننا لا نفتقد إلى المحتوى الغرائبي فحسب، وإنما لمواكبة الاتجاهات الحديثة في عرض ما لدينا من {مقتنيات}، كأجهزة لقياس الرطوبة وضبط الإضاءة بما لا يضر بالمحتويات وأحدث نظم شبكات الكهرباء وأجهزة الرسوم التوضيحية، وهي أمور توضح الفجوة بيننا وبين الغرب، ذاكراً أن في مصر ما يزيد على 90 متحفاً نصفهم في العاصمة القاهرة.

وأشار عاشور إلى أن المتاحف عموماً لا تقتصر أهدافها على حفظ الآثار والنوادر وجمعها، وإنما الربط بين الماضي والحاضر عبر دور تثقيفي يكشف عن نسيج البلاد عبر مراحل تاريخية مختلفة، وأن ذلك ينطبق على المتاحف التقليدية، أما ما وصفه بـ{صحوة المتاحف الغريبة} فهي تثبت أن الإبداع لا يمكن قولبته في نمط محدد، وأن المدارس التقليدية في {المتاحف} ليست هي الوعاء الوحيد المناسب لتقديم دور ثقافي معين، وأنه يمكن إنشاء {رسالة ثقافية} بين متلقٍ عادي ومرسل {غرائبي}.

ومن ناحية أخرى، دان عدد من تجمعات المثقفين حول العالم اعتماد تلك المتاحف أساليب ووصفها بـ {غير الإنسانية}. ونشرت {رابطة الفن التشكيلي البريطاني} خبر لجوء داميان هيرست، أحد أبرز الأسماء في مجال إقامة المتاحف الغرائبية، إلى قتل عدد ضخم من الفراشات وصل إلى 9 آلاف كجزء من أعماله أخيراً، وأكَّدت أن القيمين على معارضه ومتاحفه يعملون على تغيير نحو 400 نوع من الحشرات الطائرة أسبوعياً لتحل محل التي فسدت، معتبرين أن ذلك يخالف الآثار المرجوة من الأثر الثقافي في أي حضارة أو مجتمع .