يكرم مهرجان {كان} إنغريد برغمان السويدية الأصل بملصقه الدعائي وبفيلم عنها في إطار {كلاسيكيات كان} من إخراج ستيغ بيوركمان، بالإضافة إلى فيلم يتخلله استعراض يتناول حياتها ورسائل متبادلة بينها وبين المخرج روبرتو روسوليني.

Ad

حملت برغمان اسم إنغريد تيمناً باسم الأميرة إنغريد السويدية. ولدت في 29 أغسطس 1915 للسويدي جوستس صموئيل برغمان والألمانية فريدل برغمان. توفيت الأخيرة حينما كانت ابنتها في الثالثة من عمرها، وما إن بلغت الثالثة عشرة حتى رحل والدها. وهو كان مصوراً يجهزها لأن تصبح مطربة أوبرا، فراح يخضعها لدروس متخصصة في عالم الأصوات والغناء لمدة ثلاثة أعوام متتالية. ولكنها كما قالت في كتاب ذكرياتها الذي صدر في الثمانينيات، كانت تعلم جيداً منذ الحادية عشرة من عمرها بأنها ستصبح ممثلة. كانت ترتدي ملابس والدتها غالباً لتجسيد بعض المشاهير أمام والدها، الذي كان يلتقط لها الصور لتوثيقها. كانت تختبئ وراء شخصيات عدة تجسدها في المنزل. كانت {ساعية البريد} و{الشرطي} و{كلباً} وكان {جمهورها} متمثلاً بعمتها ألين ووالدها يصفق لها ويشجعها.

بعد وفاة والدها، ذهبت للعيش لدى عمتها، ولكن الأخيرة توفيت أيضاً بعد ستة أشهر من وصول ابنة أخيها، لتنتقل الأخيرة للعيش لدى عمتها هيلدا وعمها أوتو الذي كان لديه خمسة أطفال، بالإضافة إلى عمتها إليسا آدلر التي أخبرتها ذات يوم بأن والدتها تحمل دماء يهودية.

لم يكن العم متفتحاً مثل الأب، فكلمة ممثلة كانت لديه مرادفاً {لداعرة}. لكنه وافق أمام إصرارها على أن تلتحق بمدرسة {فنون الدراما}، حيث تفتحت ولفتت أنظار الأساتذة بموهبتها. وهي لرقة مشاعرها وقعت في حب طبيب أسنان شاب يكبرها بسبع سنوات اسمه بيتر ليندستروم. حب توجته الجميلة بالزواج في ما بعد.

في السابعة عشرة من عمرها عام 1932، وبعد مشاركتها في مسابقة نظّمها {المسرح الملكي} في ستوكهولم، حصلت إنغريد على منحة لدراسة التمثيل المسرحي، وهي منحة سبقتها إليها الممثلة غريتا غاربو.

أول فرصة

كانت فرصتها الأولى في السينما Munkbrogreven عام 1934. ثم فتحت لها السينما السويدية أبوابها، فتركت مدرسة الفنون مشترطةً على الاستديوهات دفع تكاليف دروس خصوصية لها في التمثيل لمتابعة دراستها.

تتالت الأدوار على الجميلة { نجمة السويد} آنذاك، ليبلغ عدد الآفلام التي عملت فيها 12 فيلماً، من بينها {وجه امرأة} الذي أخرجته هوليوود مجدداً لاحقاً.

وتعود شهرة إنغريد برغمان العالمية، كما غالبية نجوم السينما، إلى هوليوود، وهي تحققت بعد وصولها إلى أميركا عام 1939 بدعوة من المنتج ديفيد سيلزنيك للمشاركة في فيلم Intermezzo: A Love Story  بدور أنيتا عام 1939 إزاء النجم ليزلي هاورد لإعادة إنتاج فيلم باللغة الإنكليزية كانت قد شاركت بالتمثيل فيه بالسويد عام 1936.

الفيلم {السويدي الأصل} سحر من خلاله النجمة قلوب المشاهدين الأميركيين عندما أعادت هوليوود صناعته، وذلك على عكس مخاوف المنتج نفسه، وهي نزلت في منزله في الفترة الأولى، إذ يُنقل عن ابنه الذي كان طفلاً آنذاك قوله إن والده كان قلقاً في ما يتعلّق بمدى مناسبة إنغريد لأداء الدور فهي «لا تتحدث اللغة الإنكليزية». وفي تلك السنة، بدأت مسيرة صعودها إلى قمّة المجد الفني.

عام 1937 تزوَّجت من الطبيب وأنجبت منه ابنتها الأولى بيا، وكانت هوليوود تغمرها بذراعيها وهي لم تكمل بعد سنتها الرابعة والعشرين... وعشق الأميركيون السويدية الجميلة. ثم جاءت النقلة الأساسية والمهمة في مسيرتها مع فيلم {كازابلانكا} عام 1942 أمام همفري بوغارت، وهي تصف في مذكراتها، أن أداءها شخصية الزوجة النرويجية في الفيلم لا يمثل أهم أعمالها وأدوارها، بل ثمة أعمال أخرى تفوقه أهمية، ولكن شهرة الفيلم وضعت دورها تحت دائرة الاهتمام.

ومع المنتج نفسه قدَّمت {لمن تقرع الأجراس} عام 1943، بشخصية ماريا الرائعة، وهو أول فيلم ملون لها وترشحت عن دورها فيه للأوسكار كأفضل ممثلة. والعمل مأخوذ عن رواية آرنسنت همنغواي، ويقال إن الأخير نفسه رشحها للدور بعدما كان شاهدها في فيلم {انترميزو}.  

لاحقاً، جاءت مرحلة العمل في عدد من أفلام الفريد هيتشكوك، لتأتي النقلة الثانية البارزة في مسيرتها مع فيلم {جان دارك} عام 1948، حيث ترشَّحت مجدداً للأوسكار، ونال الفيلم كثيراً من النجاح والانتشار بسبب علاقة  جمعت بين إنغريد والمخرج الايطالي روبرتو روسوليني. حتى إن العمل لم يفز بجوائز أوسكار عدة بسبب تلك {الفضيحة}، خصوصاً أن النجمة كانت تقدم شخصية قديسة، فكيف لها أن تخون... وتعيش الغرام والعشق!

فالنجاح والشهرة والسعادة التي طالما حلمت بها ومن ثم حققتها، لم تحمِ الممثلة من جرف حب دمَّر حبها الأول لزوجها ووالد ابنتها. شاهدت فيلم {روما مدينة مفتوحة} ووقعت في عشق الفيلم ومخرجه. فأرسلت خطاباً إلى الأخير تقول: {إنني ممثلة سويدية أميركية وقعت في غرام فيلمك وأجيد التحدث بالإنكليزية والفرنسية وبالطبع السويدية. لكن لا أعرف من الإيطالية سوى كلمتي {أنا أحبك}.

بين السطور

قرأ روبرتو روسوليني بين السطور، فأرسل إليها بأنه مستعد للتعاون معها. وعندما وصل إلى أميركا ليتسلم جائزة عن {روما مدينة مفتوحة} عاد إلى إيطاليا بالجائزة وبإنغريد، وهي كانت طلبت الطلاق من زوجها الذي رفض بشدة.

أثار تصرف النجمة جدلاً واسعاً، فكرهها كثيرون ووصفوها بـ{الخائنة}، والصحافة لم ترحمها هي وزوجها وابنتها. لم يساندها في {الحب} سوى الروائي إرنست هيمنغواي وإيرين زوجة المنتج ديفيد أوه سيلزنيك الذي وقف معها في بداية حياتها... وكبرت الفضيحة عندما علمت الصحافة أن إنغريد حامل في حين روسوليني ما زال متزوجاً من الممثلة الشهيرة أنا مانياني. وكانت الأخيرة ترفض الطلاق إلى أن تحقق لاحقاً بصعوبة.

تزوج العشيقان في المكسيك ورزقا بتوأم إيزابيللا وإيزوتا. ورغم حبهما الكبير وقيمتهما الفنية لم يقدما أفلاماً لافتة، من ثم لم تحقق النجاح. عام 1956، أصرَّت إنغريد على القيام ببطولة فيلم {أناستازيا} مع يول براينر، فوافق على ذلك روبرتو مضطراً. ذهبت إلى انكلترا واستحقت عن الفيلم جائزة أوسكار.

الغريب أن الحب الجارف الذي جمع بين أنغريد وروبرتو انتهى بالطلاق عندما اكتشفت خيانته لها مع فنانة هندية ناشئة. وكانت تجمعها آنذاك صداقة مع رجل أعمال سويدي كان يحبها في صمت ولم يعترف لها إلا بعد طلاقها، وهو لارس شميدت فتزوجا.

اليوم الأخير

كان آخر فيلم قدمته إنغريد {معزوفة الخريف} مع ليف أولمان. كانت قد أصيبت آنذاك بداء سرطان الثدي وخضعت لجراحة لاستئصال الورم، لكنها استمرت في العمل على المسرح.

عام 1982 لم تحتفل النجمة بعيد مولدها في 29 أغسطس، وكان عمرها 67 سنة، إذ توفيت في العاصمة البريطانية تاركةً رصيداً فنياً يصل إلى أكثر من 50 فيلماً، وجائزتي أوسكار عن دورها في {ضوء خافت} عام 1944 وعن {أناستازيا} 1956.

أحرق جسدها، ونقل رمادها الى البحار السويدية، وكانت أصدرت عام 1980 مذكراتها بالتعاون مع آلان بيرغيس، مع حذف الفضيحة التي لحقت بها نتيجة علاقتها مع روسوليني بناء على طلب أبنائها، لتبقى حياتها بعيداً عن تلك المحطة الاستثنائية.