أكثر ما يؤثر في تربية وجدان الناس وسلوكياتهم وانعكاسه بالتالي على تصرفاتهم، هو مدى وعيهم الثقافي والسياسي الذي ينعكس على المجتمع برمّته، فمن أصغر الأفعال والتصرفات إلى أكبرها كلها تدل عليه، وسآخذ مثالاً على ذلك تربية الكلاب والقطط، وأكثرها شيوعاً تربية الكلاب.

Ad

هناك فروقات واختلافات كثيرة في الغرض من تربيتها ما بين الشعوب وتعاملها معها، ففي البلاد الرعوية التي تعتمد على تربية المواشي بشكل اقتصادي، الكلاب تُعد شريكاً حقيقياً في العمل، ولها دورها المهم في المحافظة على المواشي ورعايتها بشكل أساسي فعال لا يستغنى عنها، كما أن البدو في كل البقاع يعتبرون الكلب حارساً لهم ولأغنامهم.

في الصين وبعض من مدن آسيا المتاخمة لها تعدّ الكلاب وجبة شهية لها محبوها وطلابها، لذا توجد حظائر خاصة لتربية الكلاب من أجل لحومها.

عند شعوب الإسكيمو تعد الكلاب "سواقة" لعربات النقل التي تسير على الثلوج وتقوم بجرّها وحمل الناس والأمتعة التي فوقها، الكلاب هناك تُربى حتى تقوم بدور "العتال" أو الحمّال والسائق، وينتهي دورها عند هذا الحد، فليست هناك أي علاقة عاطفية بينها وبين مالكي العربات، وغالبا هذه الكلاب من سلالة الذئاب.

في أميركا وأوروبا تعيش الكلاب عيشة الملوك، ربما يحسدها عليها كثير من فقراء العالم، فلها أكل خاص، وحتى ملابس على آخر طراز تُباع في محال ملابس وأدوات وأثاث وألعاب، كلها تخصّ الكلاب.

الكلاب في حياتهم صديق ورفيق وفرد مهم من العائلة له أهميته ودوره، ومخصص له جزء من ميزانية العائلة لا يستهان به، كما أن الكلب له طبيبه الخاص، وهناك مراجعة دورية له، وطوق طبي يمنع الحشرات من النفاذ في شعره وجلده، ويؤخذ إلى "حلاق الكلاب" ليقص شعره على الموضة المحببة، تبعاً لفصيلته، كما يؤخذ بعضهم - خاصة من قبل مالكيهم الأثرياء - إلى مصحات خاصة براحة الكلاب، ليُعمل لها "مساج" وتدليك ينشطها ويبهجها، هذا عدا برنامجها اليومي وحقها في فسحة خارج المنزل مهما كان شكل الجو، حاراً أو بارداً أو ممطراً، الكلب يجب أن يأخذ نزهته مهما كانت الظروف، وهو يبقى متلهفاً ومستعداً لها.

وهناك نوع من الكلاب "الهوسكي" وهو متحدر من سلالة الذئاب، يجب أن ينزه أكثر من مرة في اليوم، لأن طاقة نشاطه عالية، فيجب إخراجها بالهرولة والركض اليومي بالساعات، لذا نجد مربّي هذي الكلاب يضعون لها في المنزل مشاية كهربائية (تردمل) لتهرول حتى تستنفد طاقتها.

كلابهم هم أصدقاء عالم الصمت والوحدة، حيث تضج جدران المنزل من الوحشة، حين تصبح هي رفيق العمر، ويبيت الإنسان لا يسمع إلا تردد أنفاسه في الهجر الشاسع للأبناء وقلة الروابط العائلية أو حتى ندرتها، ويكون ساعتها رفقة كلاب تعني أنه مازال على قيد الحياة، وأنه متمكن من إخراج صوته وممارسة الحكي والكلام، حتى وإن كان مع كلب يعيد إليه حقه في عالم لاهث بارد، لا يعبأ بحاجة المتوحد إلى ممارسة آدميته، حتى لا يصيبه الخرس بالنفي والانسحاب من كينونته.

وهذا يعكس ثقافة عالم مادي ما عاد يعبأ إلا بهدير ماكيناته، وآخر همه إنسان مستوحش بصمت وحدته التي استعاضت عن الوجود الإنساني الحميم برفقة كلب يمنحها توازن العيش المفقود.

أما عندنا في عالمنا العربي والخليجي، حيث تسود ثقافة المجتمعات الأبوية ذات الطابع الديني في الرعاية والعناية والتدخل و"الحشرية" في حياة الفرد من الولادة وحتى الممات، فليست هناك أي حاجة إلى رفقة الكلاب في مجتمعات  تشتكي من كثرة الضجيج وتفتقد حياتها الصمت الذي يُعد نوعاً من النخبوية غير المرغوبة في حياة لا تقبل إلا بذوبان الأفراد التام في حياة بعضهم البعض، وخضوعهم لكل أشكال نظمها وعاداتها وتقاليدها وثقافتها المتعارف عليها، وأي خروج عن منظومتها هذي يُعدّ بدعة مستهجنة غير مستحبة، لذا فإن صحبة الكلاب لا تجد لها مكاناً فيها.

في الكويت، عند اقتناء كلب تحت إلحاح أحد أفراد العائلة غالباً ما يكون طفلاً أو مراهقاً ليلعب به أمام أصدقائه، ثم يترك مسؤوليته للخادم، وغالباً سُينسى بعد فترة ويُهجر إلى الشاليه أو المزرعة، وقد يتوه، وحينها يلتقطه عامل آسيوي، إما ليأكله، أو ليبيعه في سوق الجمعة.