قانونيون لـ الجريدة•: «منع المرأة العمل في القضاء» غير دستوري

نشر في 09-11-2014 | 00:16
آخر تحديث 09-11-2014 | 00:16
• أكدوا أن الدستور حظر التمييز بين المواطنين على أساس الجنس
• طالبوا النواب بالتصدي للمقترح واعتبروه انتكاسة للحريات
لاقت الدعوات التي أطلقها ممثل تيار التجمع السلفي في مجلس الأمة النائب حمود الحمدان برغبته في إصدار تشريع يمنع المرأة الكويتية من العمل في القضاء ردود فعل قانونية واسعة، رافضة إصدار مثل هذا التشريع المخالف للدستور.

وقالت جمعية المحامين الكويتية على لسان رئيسها المحامي وسمي الوسمي إن على نواب المجلس التصدي لمثل هذه التشريعات المخالفة للدستور، والتي تهدف إلى الانتقاص من حقوق المرأة التي كفلها الدستور، بينما أكدت أستاذة القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فاطمة دشتي أن الاقتراح بقانون المزمع تقديمه مخالف للنصوص 6 و7 و29 من الدستور، في حين اعتبرت المحامية نضال الحميدان أن الدعوات لإصدار هذا القانون مستغربة ومستهجنة لكونها تنتقص من الحريات العامة وتخالف الدستور الذي يشترط إصدار القوانين وفق مزيد من الحريات وفي ما يلي آراء القانونيين.

تقول أستاذة القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. فاطمة دشتي إن الدعوات التي يطلقها البعض من نواب مجلس الأمة لإصدار قانون يمنع دخول المرأة في النيابة العامة أو القضاء، هي دعوات مخالفة للدستور ويجب عدم الالتفات إليها، لافتة إلى أن نص المادة 29 من الدستور تنص على أن الناس سواسية في الحقوق والواجبات ولا يجوز التمييز بينهم بسبب الجنس، وأن قصر الوظيفة على جنس معين يخالف نصوص الدستور التي كفلت المساواة بين الجنسين.

وأوضحت دشتي انه إذا كان من يدعو لإصدار قانون يمنع عمل المرأة في القضاء يستند إلى فتاوى شرعية فإن هناك فتاوى شرعية أخرى تسمح بعمل المرأة في القضاء بدليل سماح العديد من الدول الإسلامية للمرأة العمل في القضاء كاليمن وسورية والأردن ومصر ولبنان وتونس.

وبينت أن المادة 6 من الدستور نصت على أن الأمة مصدر السلطات وعندما يكون النائب ممثلا للأمة وأقسم على احترام الدستور فيتعين عليه أن يحترم نصوص الدستور التي كفلت المساواة بالحقوق والواجبات ويتعين عليه ألا يطرح اقتراحات مخالفة للدستور حفاظا على القسم الذي أداه.

وقالت إن الدعوات التي أطلقها أحد النواب بإصدار تشريع يمنع عمل المرأة في القضاء تخالف نصوص المواد 6 و7 و29 من الدستور كما تخالف ديباجة الدستور الكويتي التي دعت إلى إصدار تشريعات تدعو الى مزيد من الحريات والمساواة والعدل، لافتة إلى أن على نواب المجلس العمل على إصدار تشريعات تدعو الى زيادة الحريات وليس الانتقاص منها.

القانون والشرع

بدورها أكدت المحامية سارة الدعيج أن الدعوات التي صدرت من بعض نواب مجلس الأمة جاءت كرد على تعيين 22 وكيلة نيابة وهي برأيي دعوات لا أساس لها من القانون والواقع، لافتة إلى أن اليمن عين المرأة كقاضية منذ الستينيات في حين أننا بالألفية الثانية والبعض يتحدث من منطلقات لا تستند إلى الواقع ولا القانون ولا الشرع.

وأضافت الدعيج قائلة ان دولا كإيران ومصر والمغرب وتونس واليمن والإمارات دول إسلامية ووافقت على إشراك المراة في الجهاز القضائي إيمانا منها بضرورة دخولها هذا المجال والاسهام إلى جانب الرجل بخبرتها في هذا المجال من دون التفكير بجنسها أو ضعفها أو بالمبررات التي يتم تسويقها لرفض دخول المرأة في القضاء.

وبينت الدعيج أن الدعوات التي أطلقها نائب في مجلس الأمة لوضع تشريع يمنع دخول المرأة للقضاء هي دعوات تخالف نصوص الدستور، علاوة على أن النائب أقسم على احترام الدستور وعلى قواعده وأحكامه وهذه الاحكام تدعو الى عدم التفرقة على أساس الجنس، متسائلة كيف لنائب يقسم على الدستور وبذات الوقت يدعو الى مخالفة أحكامه وتحديدا المادة 29 منه، كما أن الدستور لا يفرق بين كويتي وآخر في الحقوق والواجبات علاوة على أن أحكام الدستور الكويتي لا تتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية، وبالتالي فالدعوات المطروحة لإصدار هذا التشريع هدفها التصريح لإرضاء مجموعة معينة وليس الصالح العام.

الدستور الكويتي

وتقول المحامية نضال الحميدان أن تعيين المرأة في النيابة العامة أو القضاء في ما بعد هو من الحقوق التي أكدها الدستور الكويتي للمرأة وليس القانون وبالتالي إذا ما صدر قانون يدعو الى قصر وظيفة القضاء على الرجال دون النساء فهو قانون غير دستوري ومصادر لنصوص الدستور، لافتة إلى أن الدستور الكويتي ينص على ضرورة إصدار النصوص التي تكفل المزيد من الحريات وليس إلى التقليص منها.

وأوضحت الحميدان ان انضمام المرأة الكويتية الى النيابة العامة ومن بعدها القضاء جاء نتيجة تحصيلها العلمي المؤهل للدخول إلى هذا الجهاز، وبعد تجاوزها الاختبارات والمقابلات المؤهلة لهذه الوظيفة،  الى جانب أخيها الرجل وبالتالي فإن قبولها كان نتيجة تحصيلها العلمي وهو حق من حقوقها، وليس في تعيينها منحة أو هبة وبالتالي من المستغرب أن يأتي أحد النواب ممن يملكون أداة التشريع ويطالب بتغيير هذا الوضع المخالف للدستور.

وقالت الحميدان «استبعد أن يصدر مثل هذا التشريع الذي يعد وجوده انتكاسة كبيرة في مجال الحريات، خصوصا أن وجودها يتوافق مع أحكام الدستور والقانون والشريعة الاسلامية»، لافتة إلى أن عمل المرأة كقاضية سيكون ضمن هيئة قضاة ثلاثية في المحكمة الكلية والاستئناف، وخماسية أمام محكمة التمييز وبالتالي فلا يوجد القضاء الأوحد للمرأة الذي نهت عنه بعض الفتاوى الشرعية القديمة، كما أن تلك الفتاوى كانت في زمن ووقت يختلف عن الزمان الذي نعيش فيه وبالتالي لا يمكن قياس ذلك الزمن علينا حاليا، لاسيما أن العديد من الدول الاسلامية قد وافقت منذ زمن بعيد على إشراك المرأة في القضاء لعدم وجود أية موانع شرعية لعملها.

وبينت الحميدان قائلة ان المرأة الكويتية كان لها السبق للعمل في المنطقة العربية للعمل كقانونيات منذ الستينيات في مجالات المحاماة والفتوى، ولاحقا التحقيق في الجنح، ومن المستغرب والمستهجن أن يطالب البعض بإصدار قوانين تمنعها من العمل في القضاء، وتهدف الى الانتقاص من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور للنساء أسوة بالرجال.

المساواة بين الجنسين

أما المحامية أريج حمادة فتقول ان الدعوات التي أطلقها أحد النواب لإصدار تشريع يمنع عمل المرأة في القضاء هي دعوات مخالفة للدستور والذي كفل المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، لافتة إلى أن المرأة الكويتية لا تستحق هذه النظرة الدونية لأنها مكملة للرجل في المجتمع وصدور أية قوانين تنتقص منها هي إساءة لها لاتستحقها.

وبينت المحامية حمادة قائلة ان المرأة الكويتية أثبتت نجاحها في كل المجالات التي عملت بها سواء كمديرة جامعة أو وزيرة أو نائبة في مجلس الأمة أو البلدي ومحققة ومحامية وبالتالي هي بالتأكيد قادرة على النجاح في القضايا التي تتولى النيابة العامة التحقيق فيها، وكذلك في عملها كقاضية، كما أن وجودها مهم في بعض القضايا أمام القضاء كقضايا الأحوال الشخصية والتي تكون أقرب فيها للنظر إلى احتياجات المرأة.

وقالت انه يتعين على نواب المجلس والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني الوقوف ضد هذا النوع من الاقتراحات التي لا تخالف الدستور فقط وانما تنتقص من عمل المرأة وأحقيتها في مشاركة أخيها الرجل في كل المسؤوليات العامة في الدولة شأنها شأن الرجل، خصوصا أن اختيارها لهذه الوظيفة يكون مبنيا على أسس ومعايير عامة تشترط ممن يتقدم لها تجاوزها.

ولفتت حمادة إلى أنه يتعين التصدي لهذه الدعوات المخالفة للدستور وذلك لأن الدستور رفض التمييز بين الناس على أساس الجنس أو الاصل أو الدين،  ومن المعيب أن يأتي المشرع المعبر عن إرادة الأمة بجنسيها ويصدر تشريعات تنتقص من حقوق أحد أركانها وهي المرأة.

موانع قانونية

بدوره يقول المحامي سليمان مبارك الصيفي انه سبق للجنة فحص الطعون بالمحكمة الدستورية أن أكدت عدم وجود موانع قانونية أو دستورية تمنع عمل المرأة في النيابة العامة أو القضاء، وبالتالي فإن تعيين المرأة في النيابة أو القضاء لاحقا هو حق طبيعي للمرأة الكويتية مثلما هو حق للرجل الكويتي.

ويضيف الصيفي قائلا ان الدستور الكويتي نص وبكل وضوح على أنه لا يجوز التمييز بين الناس بسبب الجنس وهو ما يعني عدم قصر حق على الرجال أو النساء فقط وانما يتعين أن تكون الوظيفة مقصورة على من يكون مؤهلا لها من الرجال أو النساء، لافتا إلى أن المطالبة بمنع المرأة العمل بالنيابة العامة أو القضاء لا تستند إلى أي مبررات قانونية أو دستورية وذلك لأن القضاء الدستوري أكد سلامة تعيين المرأة في هذا المجال من دون موانع دستورية أو قانونية، كما أصدر القضاء الاداري العديد من الأحكام التي قصرت حق التقدم للوظائف للذكور لمخالفتها نصوص الدستور وهو ما يعكس مدى سلامة تعيينها في النيابة العامة والقضاء.

وبين الصيفي قائلا ان عمل المرأة الكويتية في النيابة العامة والقضاء سيساهم في تطوير العمل القضائي بشكل عام خصوصا أن القضاء هو المكلف اليوم بتحقيق العدالة عبر إصداره الأحكام أو حتى في التحقيق بالقضايا الجزائية من خلال النيابة العامة.

دولة المؤسسات

أما المحامي دعيج الكندري فيقول ان الدستور كفل الحقوق والحريات لجميع الأفراد من دون تمييز فيما بينهم وبالتالي، فإن المطالبة بإصدار تشريع يقصر التعيين في أي وظيفة كانت ومنها القضاء على الرجال دون النساء هو أمر مخالف للدستور ولا يستقيم مع دولة المؤسسات القانونية.

ويضيف الكندري ان الكويت تأخرت كثيرا في إشراك العنصر النسائي في السلطة القضائية، وجاء الوقت لكي تأخذ المرأة نصيبها بالعمل في القضاء إلى جانب الرجل ومن دون تمييز، لافتا إلى أن المرأة الكويتية نجحت في العمل القانوني في مجالات المحاماة والافتاء والتدريس والتحقيق وبالتأكيد ستنجح في مجال العمل القضائي لأنها مؤهلة لذلك فالمرأة حاليا تعمل محكّمة في العديد من النزاعات القانونية والتحكيم هو أحد أنواع الفصل في التقاضي الرضائي فيما بين الافراد ومشابه كثيرا للعمل الذي ستؤديه المرأة عندما تصبح قاضية.

وبين أن على المشرع الكويتي ألا يلتفت إلى الدعوات المطالبة بقصر العمل القضائي على الذكور دون الاناث لكونه تشريعا إن صدر فسيعد مخالفا للدستور ولن يتردد القضاء الدستوري بإلغائه لتعارضه مع المادة 29 من الدستور.

نجاح المرأة

أما المحامي عبداللطيف الزير، فأكد أن عمل المرأة في القضاء أصبح أمرا ضروريا لمواكبة التطور الزمني والعصري بعد أن أثبتت نجاحها في كافة المجالات القانونية والعلمية، لافتا إلى أن الدعوات التي تطالب بمنع عمل المرأة في القضاء ولو حتى عبر تشريع تمثل أحد أنواع التدخل في عمل القضاء الذي يتعين أن يدير شؤونه بنفسه وأن يكون بعيدا عن أي نوع من أنواع التدخل.

وقال الزير ان القضاء هو وحده من يقدر احتياجاته بتعيين المرأة في القضاء بعد التدرج في عملها بالنيابة العامة وبالتالي فإن مطالبته بعدم تعيين المرأة في القضاء هو تدخل في شؤونه وهو أمر يعارض نص المادة 50 من الدستور التي أكدت على الفصل بين السلطات.

ويضيف الزير قائلاً ان المطالبة بمنع المرأة من العمل القضائي يتعارض كذلك مع نص المادة 29 من الدستور التي أكدت عدم جواز التمييز بين الناس على أساس الجنس أو الاصل أو الدين، وبالتالي فإن الدعوة لإصدار قانون يمنع عمل المرأة في مجال معين يتعارض مع النص الدستوري الذي يكفل للجنسين المساواة في الحقوق والواجبات.

back to top