تمدد الزمن، ضاق المكان، فترهل السرد!

Ad

كان المطلوب من صاحب رائعة ساق البامبو، وخصوصاً في جزئها الأول، عملاً، إن لم يتفوق عليها، يكون بمستواها. لكن رواية  "فئران أمي حصة"، التي تمتد حقبتها الزمنية إلى أربعين سنة كان عليها أن تحافظ على سمتها الأساسية دون أن تترهل الرواية وتقع تحت وطأة الحشو والتكرار غير المبرر والممل أحيانا. ولم يكن ذلك سهلاً.

جاءت الرواية متقنة السرد في جانب حقل الذكريات المفعم بالحياة لفترات الطفولة البرئية وإخبارية تستعيد أحداث الغزو العراقي للكويت، مقاربة تسجيلات مشابهة سابقة انتشرت بعد الغزو، وتواصل تعليقها على أحداث لاحقة للربع قرن الذي أعقب الغزو لتشكل بانوراما عريضة فاقت قدرة الرواية على التماسك.

لم يستخدم سعود في سرد روايته "ارث النار"، وهي الرواية التي يكتبها البطل داخل الرواية الأم، سوى آلة تصويره في تسجيل صورة ذات بعدين للأحداث، لا تتطور من خلالها شخصيات تكرر في كل مناسبة، ودون مناسبة أحيانا، ذات الصراع الطائفي بين طائفتين على أحداث حرب تموز، حرب العراق، اسم مولود، شراء أجهزة كهربية، وعلى اسفنج غرفة النوم. الفكرة التي كان بالامكان اختزالها "فنيا" بموقف خلاق جاءت متكررة تمارَس في كل حدث مهما كان مهماً وكبيراً، ومهما كان تافهاً. كان ذلك ما أبقى الرواية الضمنية في مستواها الأول وأوقف تطور شخصياتها أو التركيز الأمثل عليها.

الرواية وهي تتناص مع مجموعة من النصوص الشعرية الكويتية، أغاني مطربين، لاعبي كرة، ممثلين، مسلسل هزلي، مسرحيات، ومباريات كرة قدم، كانت توغل لحمتها السردية في التسجيل وتفقد قدرتها على رسم شخصياتها التي غالبا ما تواجه مصائرها اما بالموت أو الحرق أو الاختفاء في الأسر. في أحيان كثيرة تركت هذه التناصات أثرها على العمل، فالبكائية التي شهدت موت حصة وحالة الجنون التي أصابت أم فهد في وفاته كانت شبيهة بمشاهد الدراما الخليجية "النواحة" وبعيدة عن التأثير الفني حيث يختصر الروائي حدثاً كبيراً بجملة تاركاً مساحة للقارئ لأن يكملها كما يريد.

حاول سعود في الجزء المتخيل، رغم أن العراق القريب جداً من الكويت يعيش هذا التمزق الطائفي ويشارك بعض الكويتيين من الفئتين فيه، أن ينقذ العمل، ولكن الثبات الذي عاشته الشخصيات وهي تنتقل ضمن مساحة محددة أضاع فرصة اتساع رقعة المستقبل. لم تتحقق للأحداث أو شخصياتها الفرصة الروائية الممكنة تحت وطأة رواية "ارث النار" الضاغطة في الاتجاه الماضوي. أدخل الطفلة "حصة" المرادفة للأم بطريقة غامضة، دون أن تقدم للنص سوى أنها تعرف قصصها وتساعد البطل "كتكوت" على استعادة وتكرار حوارات سابقة. ويخرجها بطريقة غير مقنعة لنكتشف أنها ابنة أحد رجال المقاومة دون أن نشعر بحميمية السرد أو حتى نتفاعل مع الأحداث ونترقب تطورها، فالسارد يخرجنا دائما الى ذاكرة مرت بنا من قبل كمن يطفئ حماسنا نحو الترقب.

ما أخفق فيه سعود، رغم اجتهاده، هو النهاية الهلامية وغير المقنعة حين أخرج كل الشخصيات، التي تناص معها العمل لتشهد النهاية، المطرب واللاعب والممثل كمن ينهي المشهد الروائي بمشهد مسرحي، ولم تكن نهاية الجزء المتخيل أقل إرباكا حين هرب البطل وزميله من مواجهة الحدث تاركين كل شيء معلقاً للغيب.

ملاحظة أخيرة

كان كتكوت مرتبطاً بالأنثى والطفل في سيرته التي يسردها واللغة التي يسرد بها وهو ما سيختلف في علم السوسيو- لغوي لو أن الطفل عاش في ظروف أخرى بعيداً عن "السرّة".