رانيا هلال : اقتصار النشر على الرواية كارثة

نشر في 01-06-2015 | 00:02
آخر تحديث 01-06-2015 | 00:02
• تكتب «القصة القصيرة» وتعاني قيود دور النشر

دخلت القاصة رانيا هلال في تحد مع المجتمع كي ترصد حياة المهمشين وأصحاب الحرف اليدوية الذين تناولتهم في مجموعتها القصصية «دوار البر»، وأكدت فى حوارها مع «الجريدة» أنها تعاني كمبدعة قيوداً عدة أهمها على الإطلاق عزوف معظم دور النشر عن طباعة أي نوع أدبي سوى الرواية، علاوة على غياب المشهد النقدي عن الساحة الأدبية بشكل يوفر للكاتب فرصة الاطلاع عليه من دون تهميش من النقاد... إلى نص الحوار .
ما الذى أوحى لك بفكرة «دوار البر» التي تناولت أصحاب المهن الحرفية والمهمشين والمضطهدين. هل أسهمت حداثة الفكرة في الحصول على جائزة ساويرس في الرواية؟

 

جاءتني الفكرة خلال ملاحظاتي في ما وراء الوجوه وهي عادة غريبة أحياناً أمارسها عندما يستفزني مشهد أثناء مروري بالشارع. باغتتني الفكرة عندما تأملت منظر الرجل الذي يكنس وينظيف الشوارع بعربته الخضراء الصغيرة ومكنسته المتهالكة. كان يجلس على أحد الأرصفة ممسكاً بيده كوب الشاي وباليد الأخرى يسند مكنسته على كتفه ويغني في حرية واندماج أغنية «أنا لك على طول». شعرت حينها أن ثمة لغة أو حواراً ما يدور بينهما يغفل معظمنا عنه، وقررت أن أرصد حياتهم بشكل يقربنا إليهم ويقربهم إلينا بعيداً عن الفوارق الطبقية والفكرية. أما عن سبب حصولي على الجائزة فلا أدري تحديداً، هل كانت حداثة الفكرة أم اختلاف التناول؟ وهذا يرجع إلى الحكام في المقام الأول.

 

كيف استطعت رصد معاناة 15 مهنة وحرفة، ألم يكن صعباً عليك كأنثى الاحتكاك بحياة هؤلاء الأشخاص لمعرفة تفاصيلهم؟

كانت مسألة تحدٍ بالنسبة إلي حيث إغراء الفكرة والإحساس بالمسؤولية تجاهها وتجاه هذه الفئة المهمشة في مقابل صعوبة الوصول إليهم بوصفي «أنثى»، كما ذكرت في سؤالك، لا يتقبل المجتمع وجودها في مكان إلا بمبرر واضح أو سبب معلن، لذا لزمني قرار جريء بأن أقدم على مجاراتهم والتعرف إليهم عن قرب مهما كانت التبعات، ومما زاد التحدي غرابة أنني كنت حاملاً في طفلي الأول، ومع ذلك كنت أخصص لنفسي وقتاً شبه يومي أقضيه مع بائعي البطاطا والذرة والجلوس بقرب الفواعلية في الصباح الباكر ومراقبة النجارين عن قرب وهكذا .

 

أفلتِ من فخ أنسنة الأشياء إلى تجسيد قدرة الملكات الإنسانية - الشعورية والعقلية - كما قال عنك الدكتور سيد البحراوي- كيف استطعت فعل ذلك؟

 

لم يكن هذا في حسابي أثناء الكتابة. كل ما فكرت به هو تجسيد تلك العلاقة الخفية بين كل حرفي أو عامل وأدواته الخاصة بمهنته على ذلك النحو الذي يبرز جماليات الواقع رغم قساوته وربما معايشتهم وتكيفهم مع ذلك الواقع وإن كان قاسياً في بعض الأحيان، وقد رأيت ذلك في قدرة البعض منهم على الإبداع والذي يتجلى في أحلك الظروف أحياناً.

 

انتصرت للمرأة في قصصك هل هذا يعتبر انحيازاً إلى الأنثى أم أنك تحاولين إعطاء الحق للنساء ؟

 

لا أرى أنني تناولت الأنثى بشكل يوصف بالانتصار لها، فعدد النماذج التي قدمتها وكانت بطلتها امرأة أقل من النماذج الأخرى ولم آخذ في اعتباري أنها أنثى ويجب إعطاؤها حقها. لكني مع فكرة أن المرأة العاملة، خصوصاً في الحرف المهمشة، ومعاناتها تختلف كثيراً عن الرجل، لا سيما في مجتمعنا الذي يحمل أضعاف ما يحمل الرجل من مسؤوليات، فإلى جانب كونها امرأة بذلك البنيان الجسدي الأضعف من الرجل فهي قد تمارس عملها اليومي مثلاً في بيع الخضروات أو الذرة المشوية وتجلس أمام النار لساعات وبجانبها طفل ترعاه وتحمل في أحشائها آخر وتتلهف لبيع كل بضاعتها لتذهب إلى منزلها سريعاً وتعد الطعام لزوجها قبل أن يصل إلى المنزل. في حين أننا نجد الرجل في مجتمعنا، في الأغلب، لا يمكنه القيام سوى بالعمل لجلب المال وأي شيء آخر يقوم به فهو اختياري لا يجبره المجتمع على القيام به عكس المرأة .

 

لماذا لم تضعي الشخصيات في عمل روائي وهل تفضلين القصص القصيرة على الروايات؟

 

يذكرني هذا السؤال بسؤال يُطرح عليَّ كثيراً هذه الأيام وهو «لماذا لا تكتبين الرواية؟»، تماماً كأن يسألك أحدهم لماذا لم ترتد الأحمر؟ فتشعر أنك تود أن تسأله ولماذا الأحمر اليوم؟ أصبحت فكرة زمن الرواية تسيطر بشكل كبير على الأدباء والوسط وحتى الرواج الأدبي، ولا أرى أن هذا صحيح أو حتى صحي بالنسبة إلى الثراء والتنوع الذي ننشده، فكما ارتديت اليوم لوناً تراءى لي أنه مناسب ربما أغيره غداً. الفكرة هي ما يفرض الشكل أو القالب الأدبي، وحتى الآن أرى أن القصص القصيرة هي لوني المفضل والأنسب من وجهة نظري للتعبير عن الفكرة المطروحة.

 

لماذا يرى بعض الأدباء أن إبداع المرأة منقوص وكيف يمكن تغيير هذه الفكرة ؟

 

هذه الفكرة موجودة لدى البعض فعلاً، وفي رأيي سببها أن هذا النوع من الأدباء يرفض بمنطقه الذكوري وجود منافس غيره على الساحة الأدبية، والسبب الثاني أن المرأة المبدعة أو الأديبة هي نفسها الأم والزوجة التي تحمل على كاهلها هم رعاية أسرة وبيت وأطفال، وربما تعمل في مجال آخر غير الإبداع لتتقوت هي وأسرتها منه وتساعد زوجها... ومع تلك المهام الشاقة كافة يجب عليها إذا أرادت أن تستمر ككاتبة أن تجد وقتاً وبراحاً نفسياً وقدرة على الكتابة والإبداع، لذلك نجدها على الأرجح لا تستطيع التوفيق بين كل ما عليها، وبين طموحها في الإبداع فتضطر صاغرة إلى أن تنحي الإبداع جانباً أو توليه اهتماماً أقل بكثير مما يجب، فينتج عنه كتابة، أو إبداعاً قد يراه البعض منقوصاً، ولكن في الحقيقة هو تحد كبير جداً أن تقرر المرأة الأم والزوجة أن تصبح مبدعة في مجتمعنا المصري.

 

لماذا لا نرى وجوداً حقيقياً للمرأة في الحياة الثقافية العربية؟

 

على العكس، ثمة كثير من الأمثلة على وجود المرأة في الحياة الثقافية وفي شتى المجالات. ولكن ربما على استحياء نظراً إلى الأسباب التي ذكرتها سالفاً، فلا يمكن أن نغفل أسماء مهمة مثل الكاتبة الفذة الراحلة رضوى عاشور.

 

ما  القيود التي تعانينها كأديبة. هل نحن في انتظار نهضة ثقافية حقيقية؟

 

أول هذه القيود، مسألة عزوف معظم دور النشر عن طباعة أي نوع أدبي سوى الرواية وكأن الأنواع الأدبية اختزلت في الرواية فقط، وهذه مشكلة كارثية، ثم نجد مشكلة أخرى وهي غياب المشهد النقدي عن الساحة الأدبية بشكل يوفر للكاتب فرصة الاطلاع عليه من دون تهميش من النقاد، حيث نجد الآن أن الأعمال التي يسلط عليها الضوء هي التي تأخذ الجوائز أو تلك التي تصل إلى «البيست سيلر» لأسباب تجارية بحتة وليست فنية، ولا يمكنني التأكيد على كلمة نهضة ثقافية حقيقية، فأمامنا الكثير لنقترب فقط من الثقافة في شكلها العالمي المتعارف عليه وهو ما لن يحدث ما دام الإبداع لا يرقى بالمجتمع وبالذوق العام ويبقى للنخب الثقافية.

 

كيف تستقبلين رأى النقاد في أعمالك الأدبية وكيف تجمعين بين عملك الصحافي وموهبتك؟

 

أرحب بشدة بآراء النقاد وأتمنى أن تنال الأعمال كافة فرصة النقد فهذا حق الأديب أو الكاتب على الناقد حتى تكتمل المنظومة. أما عن الجمع بين الصحافة والأدب فهذه قضية محسومة في رأيي، لأن لغة الصحافة لغة خبرية تقريرية لا تشبع نهمي للكتابة الأدبية الضاربة في الحرية والخيال والأفكار البراقة التي ما إن تتراءى لي أكتب عنها بالطريقة التي تلوح لي، بعيداً عن اللغة الجامدة.

back to top