لطالما عانى واشتكى الإنسان العربي من الصورة النمطية المهينة التي رسختها السينما العالمية للشخصية العربية، فكثيراً ما صورت هوليوود العربيَّ شخصاً رثّ الملابس مقيماً في خيمة بجانب جمل ومجموعة نساء من حوله، في حين تصور مصر بالأهرامات في خلفية أزقّة ينتشر فيها الشحاذون والحمير والبغال والقاذورات، وتقدّم مراكش بذلك الحَاوِي الذي يخرج الأفاعي من جرابه في ساحة يملأها المتشردون والنشالون.
ورغم كل المحاولات لمحو هذه الصورة من السينما العالمية فإنها لم تنجح حتى الآن، وهو أمر مفهوم بأن وراءه أيادي خفية مصممة على بقاء الوضع على ما هو عليه وتكريسه في عقلية المشاهد الغربي على مر الأجيال، وهي حالة نابعة بالتأكيد من مخططات لجهات معينة، وكذلك من نزعات حقد وكراهية وعنصرية على مستوى شخصي من بعض العاملين في صناعة السينما والإعلام الغربي.ومنذ سنوات طويلة تشهد الدراما المصرية سواء كانت أفلاماً أو مسلسلات نهجاً مماثلاً برسم صورة الخليجي الذي يقضي حياته بزيه الوطني في كباريهات مصر أو مع القوادين، أو ذلك الخليجي الذي يأتي إلى مصر ليختطف البنت المصرية "القطة المغمضة" من أحضان حبيبها ابن بلدها تحت الترغيب والترهيب، لتعود بعد ذلك إلى مصر مدمرة مكسورة الجناح، وكأنه لا يوجد آلاف الأمثلة لمصريات حققن الحياة الكريمة والهناء في دول الخليج، في حين يصور المؤلفُ المصريُّ العربيَّ اللبنانيَّ أو السوري أو التونسي...إلخ، بأنه "دنجوان" أو بطل مقاومة أو صديق وفي، وهو ما ينبئ عن عقدة وربما كراهية وعنصرية لا يُعلم سببها لدى المؤلفين والمخرجين المصريين تجاه الخليجيين.نعلم جميعاً أن مئات ألوف الخليجيين درسوا في مصر أو أقاموا فيها منذ بداية القرن الماضي، وهناك صداقات وعلاقات نسب وقربى اجتماعية وشراكات تجارية ناجحة بين المصريين والخليجيين، والعلاقة بينهم لا تنحصر في الكباريهات والشقق المفروشة، وإذا كان هناك مسن خليجي يبحث عن فتاة مصرية صغيرة ليتزوجها، فهناك عشرات حالات الزواج التي تتم يومياً بين وجهاء مصريين مسنين وقاصرات مصريات في أرياف مصر وصعيدها ومدنها.وحجمت إجراءات السفارات الخليجية المشددة في القاهرة منذ الثمانينيات تلك الظاهرة، ورغم ذلك تستمر الـ"فانتازيا" المصرية في تصوير الخليجي بأنه المتربص في كل حارة وقرية للبنت المصرية ليخطفها إلى الخليج أو يحرضها على الرذيلة، وهي صورة أصبحت ممجوجة، لأن دول الخليج من دبي إلى الكويت تضم فاتنات العالم من أهل البلد وضيوفه المقيمين، وخوفي الشديد أن نكتشف يوماً أن سبب انحراف "شفاعات" في فيلم "شباب امرأة" كان وراءه خليجي مُتخفٍّ في سحنة المرحوم عبدالوارث عسر!ورغم أن حرية الإبداع في النص الأدبي هي حق مقدس، فإن إصرار الكتاب المصريين على تصوير حياة الخليجي في "الكباريه" هو بلا شك حالة مرضية وعقدة نفسية لدى المثقف المصري تجاه شقيقه الخليجي، فمثلاً المؤلف والسيناريست وحيد حامد الذي أعجب كثيراً بتشخيصه ورسمه للمجتمع المصري من القمة إلى القاع في حقب زمنية مختلفة، لا يخلو عمل له من زج الشخصية الخليجية المنحرفة في نصوصه، واتهام الخليجيين بأنهم وراء الجماعات والحركات الإسلامية رغم أن من أنشأها ونظر لها هم أبناء جلدته من حسن البنا إلى أيمن الظواهري، وهم من بثوا هذا الفكر وأقنعوا الخليجيين به ليحصلوا على دعمهم الأدبي والمالي، أما نقمته على انتقال زي المرأة الخليجية وحجابها ونقابها إلى مصر، فمرده إلى عدم منعة المجتمع المصري وعدم تمسكه بثقافته الخاصة وموروثه.والمفارقة أن من يدعم الدراما المصرية ويجعلها تقف على رجليها بعد الأزمات الخطيرة التي كادت تودي بها هي المؤسسات الإعلامية الخليجية التي تشتري أعمالها بمبالغ ضخمة وتعرضها رغم الإساءات المتعمدة للإنسان الخليجي التي يمكن قبولها بحد معقول، لأن الخليجيين ككل الشعوب فيهم الجيد والسيئ، ولكن لا يمكن أن يكونوا في عشرات الأعمال المصرية ساكنين الكباريهات بزيهم الوطني، في حين أن الدراما الخليجية غالباً ما تُظهر الشخصية المصرية في أعمالها طبيباً أو مهندساً أو سكرتيراً أو صديقاً في سفر، ولا تظهره مثلا متحايلاً أو بشكل مسيء.ولكن ورغم وضع الدراما المصرية للشخصية الخليجية في قالب الانحراف والإساءة الدائمة سيبقى 5 ملايين مصري بيننا في دول الخليج العربي يحولون سنوياً 15 مليار دولار أميركي إلى مصر التي نحبها، وليستمر المؤلفون المصريون بالتنفيس عن عقدهم تجاهنا، التي ستعرضها لهم الشاشات الخليجية وتسدد لهم أجورهم بـ"النوط" الأخضر!
أخر كلام
الدراما المصرية... وخليجي الكباريهات!
18-06-2015